لها..
فالمنفذ إن كان ينفذها بأنانيته وشخصه بعيدا عن ربه، كان يحكم فيهم بنفسه، لكنه إن
ترك نفسه، وخلص لربه صار حكمه بالله ولله وعلى شريعة الله.
قلت:
وعيت هذا.. ولهذا فإن العلمانية ـ حسب هذا ـ ليست فقط في ترك التحاكم لشريعة الله،
وإنما في ترك التحاكم لأوليائه الذين يطبقون شريعته.
قال:
أجل.. فشريعة الله إن طبقها الفسقة تحولت إلى ذريعة لكل أنواع الفجور، وإن طبقها
الأنانيون تحولت إلى مجال لأنانيتهم.. ولهذا لم تنفع بني إسرائيل كتبهم، ولا
أحبارهم، ولا رهبانهم، لأنهم لم يطبقوا الشريعة باسم الله، وإنما طبقوها بأسمائهم،
كما قال تعالى: ﴿ اتَّخَذُوا أَحْبَارَهُمْ وَرُهْبَانَهُمْ أَرْبَابًا
مِنْ دُونِ اللَّهِ﴾ [التوبة: 31]
قلت:
لقد ذكرتني بما ورد من الحديث في تفسيرها، فهو ينطبق تماما على ما ذكرت، فقد روي
عن عَدِيّ بن حاتم قال: أتيتُ النبي a وفي عُنُقِي صَلِيبٌ من ذَهَبٍ، فقال: (ما هذا يا عدي اطرح عنك
هذا الوثن)، وسمعته يقرأ في سورة براءة ﴿اتَّخَذُوا
أَحْبَارَهُمْ وَرُهْبَانَهُمْ أَرْبَابًا مِنْ دُونِ اللَّهِ وَالْمَسِيحَ ابْنَ
مَرْيَمَ﴾ [التوبة: 31]، ثم قال:
(أما إنهم لم يكونوا يَعبدونهم، ولكنهم كانوا إذا أحلُّوا لهم شيئًا استحلوه، وإذا
حرموا عليهم شيئًا حرَّموه)[1]
قال:
أجل.. فالحديث يبين سر فقدان الإخلاص.. ذلك أن أول أدوائه فقد التوجه التام لله..
والتجرد التام لمرضاته.. ولذلك يصبح ذلك المتجرد من الإخلاص عرضة لكل أصناف الهوى،
فيحكم أو يفتي بحسب ما يمليه عليه هواه، لا بحسب ما يملي عليه ربه.