الطّيّبات،
كالبهيمة المربوطة همّها علفها، أو المرسلة شغلها تقمّمها، تكترش من أعلافها وتلهو
عمّا يراد بها، أو أترك سدى أو أهمل عابثا، أو أجرّ حبل الضّلالة، أو أعتسف طريق
المتاهة)
قلت:
ما أعظم هذه الرسالة، وما أعظم آثارها على النفس.
قال:
لقد كان إمامنا يرددها بيننا كثيرا، ليعلمنا الزهد في الدينا، والرغبة فيما عند
الله، فما كان الله ليمكن الراغبين في الدنيا المستغرقين في هواها.
قلت:
لم؟
قال:
لأن حب الدنيا رأس كل خطيئة، ومن أحب الدنيا رغب عن الآخرة.
قلت:
ولكن الدنيا لابد منها.
قال:
لقد كان إمامنا وقائدنا يقول لنا كل حين: ضعوا الدنيا في أيديكم، ولا تضعوها في
قلوبكم، فهي في قلوبكم داء، وفي أيديكم دواء.
قلت:
عجبا.. كيف يكون الشيء داء ودواء في نفس الوقت؟
قال:
ألا ترى بعض المراهم التي يكتب عليها التحذير من ابتلاعها، وبيان خطر ذلك..
قلت:
أجل.. فكل المراهم تستعمل استعمالا خارجيا، لخطورتها على الأجهزة الداخلية.
قال:
والدنيا من تلك المراهم.. فلذلك أمرنا بتطويعها لنا، ولم نؤمر بعبادتها والتتيم
فيها.
قلت:
ما تقصد بتطويعها؟
قال:
بعمارتها، وإصلاحها، لتكون مأوى يصلح للإقامة المؤقتة.. فلا يمكن لأحد أن يقطع
رحلته إلى الله من دون أن يكون له أدنى عيش يهنأ به.