الجاد،
فالأول هو الوهن الذي يسببه تحمل جميع أثقال الماضي، والثاني هو البطر الذي يسببه
الفرح بالحاضر، والإيمان بالقدر يقي من كليهما.. فإذا وقي الإنسان من كليهما توجه
بكليته للعمل الجاد المثمر الذي أتيح له التحكم فيه.
قلت:
صدقت.. ولهذا أرى الذين ينكرون على المؤمنين ما طبعوا عليه من تسليم الأمر لله في
مثل هذه الأمور التي تخرج من أيديهم وكسبهم، لا يفعلون شيئا سوى رميهم في أتون
الإحباط أو البطر الذي يجعلهم مستعبدين لذواتهم بعيدين عن ربهم، ومن ثم بعيدين عن
كل عمل إيجابي.
قال:
أجل.. فالإيمان بالقدر مرهم الله لعباده الذي يملؤهم بالسكينة والطمأنينة
والتسليم، لأنهم يعلمون أن مصدر ذلك البلاء هو الله الرحيم الرحمن، وأنه ما
ابتلاهم إلا لعلمه بأن في ذلك مصلحتهم.
قلت:
ولكن الناس لا يرحمون هذا المبتلى، بل قد يعتبرونه حجابا بينهم وبين الله.. ألم
تسمع بمعضلة الشر؟
قال:
بلى.. وهذا من أسرار تنزل هذا النوع من البلاء.. حتى يميز الخبيث من الطيب، ألم
تسمع قوله تعالى: ﴿ وَهُوَ الَّذِي جَعَلَكُمْ
خَلائِفَ الْأَرْضِ وَرَفَعَ بَعْضَكُمْ فَوْقَ بَعْضٍ دَرَجَاتٍ لِيَبْلُوَكُمْ
فِي مَا آتَاكُمْ إِنَّ رَبَّكَ سَرِيعُ الْعِقَابِ وَإِنَّهُ لَغَفُورٌ
رَحِيمٌ﴾ (الأنعام:165)؟
قلت:
بلى.. وقد سمعت معها تلك الآيات الكريمة التي تشير إلى سر اختلاف البشر في
المتاع الدنيوي، كقوله تعالى:﴿ وَهُوَ الَّذِي
جَعَلَكُمْ خَلائِفَ الْأَرْضِ وَرَفَعَ بَعْضَكُمْ فَوْقَ بَعْضٍ دَرَجَاتٍ
لِيَبْلُوَكُمْ فِي مَا آتَاكُمْ إِنَّ رَبَّكَ سَرِيعُ الْعِقَابِ وَإِنَّهُ
لَغَفُورٌ رَحِيمٌ﴾ (الأنعام:165)، فقد ربطت الآية الكريمة بين التكليف ـ الذي
هو الخلافة في الأرض ـ والاختبار باختلاف الدرجات الذي يعني التفاوت في الأرزاق
والأخلاق