وقد
رأيت أثناء تلك الغفوة من المشاهد ما تعلمت منه أسرار الفناء والبقاء.. فقد كانت
من الوضوح بحيث شعرت فيها، وكأني أنا بجسدي وروحي ونفسي وكل لطائفي أعيش ما أراه
وأسمعه.
لقد
رأيت كلا القبرين.. لكن بصورة مختلفة تماما.. أما أولهما، وهو قبر ذلك الصديق
المسرف على نفسه، فقد كان على هيئة كوخ حقير، محاط بالقاذورات، التي تجمعت عليها أنواع
الحشرات السامة وغير السامة..
وأما
الثاني، وقد كان مجاورا له، فقد رأيته بصورة قصر منيف، محاط بكل ألوان الزينة،
وتعبق من جنباته روائح الزهور الزاهية الممتلئة بالجمال.
بينما
أنا في دهشتي إذا بالمعلم الذي كتب لي أن أتعلم أسرار الفناء والبقاء على يديه، يقدم
إلي، وهو يقول: لقد وصلتنا رغبتك في أن تتعرف على أسرار الفناء والبقاء.. ولذلك
شاء الله أن تراهما بعينيك؛ فليس الخبر كالعيان.
قلت:
من أنت.. وكيف عرفت رغبتي في معرفة هذين السرين؟
قال:
لا تسل عن الكيف.. فأنت لا تطيقه.. واعلم أن الله تعالى هو المعلم الأكبر لعباده،
ولذلك إن أراد أن يعلمهم شيئا يسر لهم من الأسباب ما يخرجون به من ظلمة الجهل إلى
نور المعرفة.
قلت:
هل أنت بشر أم ملاك؟.. وما هذا العالم الذي أراه؟.. وفي أي بلاد أنا؟
قال:
لن أجيبك إلا على ما أذن لي الإجابة عليه، ولن أعلمك إلا ما أذن لي في تعليمك إياه..
فلا تسلني إلا ما ينفعك.. فلله تعالى من الشؤون ما لا يمكن لأحد الإحاطة به.. فسلم
لربك تسلم.
قلت:
سلمت أمري لله.. فحدثني عن سر هذا الكوخ.. والقصر الذي بجانبه.
قال:
هذان ثمرتان لبعض أعمال صديقيك اللذين جئت تزورهما.