الجهة
من بعيد على هيئة مقبرة كبرى لأبي وأجدادي والنوع الإنساني، فأوحشتني بدلا من أن
تسليني .
ثم
نظرت إلى اليسار الذي هو المستقبل مفتشا عن الدواء، فتراءى لي على صورة مقبرة كبرى
مظلمة لي ولأمثالي وللجيل القابل، فأدهشني عوضا من أن يؤنسني.
ثم
نظرت إلى زمني الحاضر بعد أن امتلأ قلبي بالوحشة من اليمين واليسار، فبدا ذلك
اليوم لنظري الحسير ونظرتي التاريخية على شكل نعش لجنازة جسمي المضطرب كالمذبوح
بين الموت والحياة.
فلما
يئست من هذه الجهة أيضا، رفعت رأسي ونظرت إلى قمة شجرة عمري، فرأيت أن على تلك
الشجرة ثمرة واحدة فقط، وهي تنظر إلي، تلك هي جنازتي، فطأطأت رأسي ناظرا إلى جذور
شجرة عمري، فرأيت أن التراب الذي هناك ما هو إلا رميم عظامي، وتراب مبدأ خلقتي قد
اختلطا معا وامتزجا، وهما يداسان تحت الأقدام، فأضافا إلى دائي داء من دون أن
يمنحاني دواء.
ثم
حولت نظري على مضض إلى ما ورائي، فرأيت أن هذه الدنيا الفانية الزائلة تتدحرج في
أودية العبث وتنحدر في ظلمات العدم، فسكبت هذه النظرة السم على جروحي بدلا من أن
تواسيها بالمرهم والعلاج الشافي.
ولما
لم أجد في تلك الجهة خيرا ولا أملا، وليت وجهي شطر الأمام ورنوت بنظري بعيدا،
فرأيت أن القبر واقف لي بالمرصاد على قارعة الطريق، فاغرا فاه، يحدق بي.
بينما
أنا في تلك الحال، تتوالى علي صنوف الوحشة والدهشة واليأس والظلمة، إذا برجل يقترب
مني، لست أدري من أين جاء.. لكنه كان مختلفا تماما عن