ويذكرهم بأن السبب الأكبر في كل
الانحرافات التي وقع فيها البشر تثاقلهم إلى أهواء الدنيا، قال تعالى: ﴿وَذَرِ
الَّذِينَ اتَّخَذُوا دِينَهُمْ لَعِبًا وَلَهْوًا وَغَرَّتْهُمُ الْحَيَاةُ
الدُّنْيَا﴾ [الأنعام: 70]، وقال: ﴿إِن الَّذِينَ لَا يَرْجُونَ
لِقَاءَنَا وَرَضُوا بِالْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَاطْمَأَنوا بِهَا وَالَّذِينَ هُمْ
عَنْ آيَاتِنَا غَافِلُونَ (7) أُولَئِكَ مَأْوَاهُمُ النارُ بِمَا كَانُوا
يَكْسِبُونَ ﴾ [يونس: 7، 8]، وقال: ﴿الَّذِينَ اتَّخَذُوا دِينَهُمْ
لَهْوًا وَلَعِبًا وَغَرَّتْهُمُ الْحَيَاةُ الدُّنْيَا فَالْيَوْمَ نَنْسَاهُمْ
كَمَا نَسُوا لِقَاءَ يَوْمِهِمْ هَذَا وَمَا كَانُوا بِآيَاتِنَا يَجْحَدُونَ﴾
[الأعراف: 51]
ويذكرهم بأن ذلك لا يعني الانصراف
التام عن الدنيا، بحيث ينصرف المؤمنون عنها انصرافا تاما يحول بينهم وبين أي عمل
إيجابي فيها؛ فذلك ليس هو المراد، وإنما النهي قاصر على التثاقل إليها والحرص
عليها والتكاثر فيها، لا الأخذ منها بقدر الحاجة، قال تعالى: ﴿ قُلْ مَنْ
حَرَّمَ زِينَةَ الله الَّتِي أَخْرَجَ لِعِبَادِهِ وَالطَّيِّبَاتِ مِنَ
الرِّزْقِ قُلْ هِيَ لِلَّذِينَ آمَنُوا فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا خَالِصَةً
يَوْمَ الْقِيَامَةِ كَذَلِكَ نُفَصِّلُ الْآيَاتِ لِقَوْمٍ يَعْلَمُونَ ﴾
[الأعراف: 32]
وقال حاكيا عن المؤمنين من قوم
قارون، ونصيحتهم له: ﴿وَابْتَغِ فِيمَا آتَاكَ الله الدَّارَ الْآخِرَةَ
وَلَا تَنْسَ نَصِيبَكَ مِنَ الدُّنْيَا وَأَحْسِنْ كَمَا أَحْسَنَ الله إِلَيْكَ
وَلَا تَبْغِ الْفَسَادَ فِي الْأَرْضِ إِن الله لَا يُحِبُّ الْمُفْسِدِينَ﴾
[القصص: 77]
بل إن الله تعالى يخبر أنه ـ
بفضله ورحمته ـ يعطي عباده الصالحين المترفعين عن الدنيا، ما يحتاجونه منها، من
غير أن يؤثر ذلك في طهارة نفوسهم، وصفاء قلوبهم، أو يحول بينهم وبين السير إلى
ربهم، قال تعالى: ﴿أَلَا إِن أَوْلِيَاءَ الله لَا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلَا
هُمْ يَحْزَنُونَ (62)
نام کتاب : مثالب النفس الأمارة نویسنده : أبو لحية، نور الدين جلد : 1 صفحه : 106