ويضرب المثل على ذلك بأولئك
المجاهدين مع أنبيائهم، والذين آثروا أن يضحوا بأنفسهم في سبيل القيم التي جاءوهم
بها، بأن الله آتاهم كلا الثوابين: ثواب الدنيا، وثواب الآخرة، قال تعالى: ﴿
وَكَأَيِّنْ مِنْ نَبِيٍّ قَاتَلَ مَعَهُ رِبِّيُّونَ كَثِيرٌ فَمَا وَهَنُوا
لِمَا أَصَابَهُمْ فِي سَبِيلِ الله وَمَا ضَعُفُوا وَمَا اسْتَكَانُوا وَالله
يُحِبُّ الصَّابِرِينَ (146) وَمَا كَانَ قَوْلَهُمْ إِلَّا أَنْ قَالُوا رَبَّنَا
اغْفِرْ لَنَا ذُنُوبَنَا وَإِسْرَافَنَا فِي أَمْرِنَا وَثَبِّتْ أَقْدَامَنَا
وَانْصُرْنَا عَلَى الْقَوْمِ الْكَافِرِينَ (147) فَآتَاهُمُ الله ثَوَابَ
الدُّنْيَا وَحُسْنَ ثَوَابِ الْآخِرَةِ وَالله يُحِبُّ الْمُحْسِنِينَ﴾
[آل عمران: 146 - 148]
هذه بعض الآيات القرآنية التي
وردت في شأن الدنيا، ويمكنك ـ أيها المريد الصادق ـ بالتدبر فيها أن تعرف حقيقتها،
وأنها مجرد مرحلة ابتدائية قصيرة من حياة الإنسان والكون، وأن الله تعالى لم
يخلقها باعتبارها دارا للجزاء، وإنما باعتبارها دارا للابتلاء والتكليف والامتحان،
لذلك اختلط النعيم فيها بالعذاب، والصالحين بالمفسدين..
ولذلك كانت النجاة فيها مثل
النجاة في أي امتحان، وهو الانشغال به عن غيره.. فمن انشغل يوم الامتحان باللهو
واللعب والنوم، فلن يجني إلا الخيبة والخسارة، ومن جد في امتحانه واجتهد وأخذ من
الراحة بقدر الحاجة نجح ورقى في مراتب الفائزين.
وكل ذلك ـ أيها المريد الصادق ـ
لا يعني احتقارا للدنيا بذاتها، وإنما الاحتقار موجه لأصحاب الهمم الدنية الذين
آثروا القليل على الكثير، والفاني على الدائم، والنعيم المنغص على النعيم الخالص.
نام کتاب : مثالب النفس الأمارة نویسنده : أبو لحية، نور الدين جلد : 1 صفحه : 107