ولا تكتف بذلك ـ أيها المريد
الصادق ـ بل استعمل كل وسائل الحيلة لأن تدلهم على ربك، وتعرفهم بدينهم، فإنهم لو
عرفوه لأقبلوا عليه بكل كيانهم، ولكان لك في ذلك الأجر العظيم، وقد ورد في الحديث
قوله a: (لأن يهدي الله بك رجلا واحدا
خير لك من حمر النعم) ([247])
واسمع لهذه الحكاية التي رويت عن
رابعة العدوية، وكيف استطاعت أن تحول لصا إلى طريق الله، على الرغم من أنه جاء
ليسرقها، فقد روي أن
لصا دخل بيتها بعد منتصف الليل من أجل السرقة، فبحث فلم يجد شيئا إلا إبريقا؛ فلما
أراد الخروج نادته قائلة: يا هذا إن كنت من الشطار فلا تخرج بغير شيء، فقال لها:
إني لم أجد شيئا، فقالت: يا مسكين خذ هذا الإبريق، وتوضأ، وادخل في هذا المحراب،
وصل ركعتين، فإنك ما تخرج إلا بشيء، فأخذ الإبريق، وتوضأ، ثم دخل محرابها، وحينها رفعت
رابعة العدوية يدها إلى السماء وقالت: (سيدي ومولاي هذا قد أتى بابي، ولم يجد شيئا
عندي، وقد أوقفته ببابك، فلا تحرمه من فضلك وثوابك)، فلما فرغ من صلاته قذف الله تعالى
في قلبه الإيمان، فلذت له العبادة، وما برح يصلي إلى أن أذن الفجر، فلما دخلت عليه
وجدته باكيا مصليا، فلما أراد الخروج سألته: كيف كانت ليلتك؟ فقال: وقفت بين يدي
مولاي بذلي وافتقاري، فقبل عذري وتوبتي، وجبر كسري، وغفر لي الذنوب وبلغني المطلوب،
ثم خرج، فرفعت يديها إلى السماء، ودموعها تجري، وقالت: (سيدي ومولاي، هذا وقف
ببابك ساعة فقبلته، وأنا منذ عرفتك بين يديك هلا قبلتني)، فنوديت: (يا رابعة من
أجلك قبلناه، وبسببك قربناه)