بل روي ما هو أشد من ذلك مما
يتساهل فيه الخلق، لكنه يؤدي إلى تغذية هذا المثلب في النفس إلى أن يصبح طبيعة
فيها، فقد روي في الحديث عن بعض أصحاب رسول الله a أنه قال: دعتني أمي يومًا ورسولُ الله a قاعدٌ في بيتنا فقالت: ها تعالَ أُعْطِك، فقال لها رسول الله: (ما
أردتِ أن تعطيه؟)، قالت: أردت أن أعطيه تمرًا، فقال رسول الله a: (أمَا إنك لو لم تُعطِيه
شيئًا، كُتِبَت عليك كَذِبة) ([490])
وفي حديث آخر قال رسول الله a: (مَن قال لصبي: هاك، ثم لم
يُعطِه، فهي كذبة)([491])
وحتى ذلك التساهل الذي يتساهل فيه
الكثير في نقل الأخبار من دون تثبت، زاعما أنه يلقي عبئها على الراوي، أخبر رسول
الله a عن كونه مثلبا من المثالب التي
تغذي النفس الأمارة بالسوء، فقال: (بئس مطية الرجل: زعموا) ([492])
ولهذا أخبر الله تعالى أن الصدق
الحقيقي لا يكون بالنقل المجرد عن التحقيق، وإنما يكون بالتحقيق والبحث الواعي،
قال تعالى: ﴿ وَلَا تَقْفُ مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ إِنَّ السَّمْعَ
وَالْبَصَرَ وَالْفُؤَادَ كُلُّ أُولَئِكَ كَانَ عَنْهُ مَسْئُولًا ﴾
[الإسراء: 36]، ولهذا قال رسول الله a: (كفى بالمرء كذبًا أن يحدث بكل ما سمع) ([493])
إذا عرفت هذا ـ أيها المريد الصادق
ـ فاعلم أن المنابع التي تمد هذا المثلب الخطير كثيرة