نام کتاب : مثالب النفس الأمارة نویسنده : أبو لحية، نور الدين جلد : 1 صفحه : 594
وبذلك، فإن التحريف والتغيير
مقدمة للابتداع.. ذلك أن الشيطان قبل أن يحض الإنسان على أن يحدث شيئا يحرف له
المعاني والقيم والمفاهيم والحقائق؛ فإذا ما تغيرت لم يبال حينها الاختراعات التي
سيخترعها لنفسه، والبدع التي يبتدعها لها.
وكمثال على ذلك ما فعله الشيطان
من الدعوة للرهبنة التي أخبر القرآن الكريم عن بدعيتها؛ فقال: ﴿وَرَهْبَانِيَّةً
ابْتَدَعُوهَا مَا كَتَبْنَاهَا عَلَيْهِمْ إِلَّا ابْتِغَاءَ رِضْوَانِ اللَّهِ
فَمَا رَعَوْهَا حَقَّ رِعَايَتِهَا فَآتَيْنَا الَّذِينَ آمَنُوا مِنْهُمْ
أَجْرَهُمْ وَكَثِيرٌ مِنْهُمْ فَاسِقُونَ﴾ [الحديد: 27]
فالآية الكريمة تشير إلى أن أصل
الرهبانية كان موجودا وصحيحا، وهو التبتل إلى الله بالعبادة، والحرص على التقوى،
لكن الشيطان انحرف بهذا المفهوم، وراح يصور للرهبان بأن الغرض هو الانقطاع الكلي
عن الخلق، وممارسة القسوة الشديدة على النفس، فلما اقتنعوا بذلك، أخرجهم من ديارهم
وأهليهم، وحولهم عن الفطرة التي فطروا عليها.. وفيهم كما يذكر القرآن الكريم وكما
يدل عليه التاريخ من تحول إلى الفسق والفجور، بعد أن عجز عن إقامة ما ألزم نفسه
به.
وهكذا أخبر الله عن التحريف الذي
حرف به الشيطان دين من يزعمون لأنفسهم اتباع إبراهيم عليه السلام، وذلك بإيهامهم
أن الأصنام تقربهم من الله، كما قال تعالى: ﴿وَالَّذِينَ اتَّخَذُوا مِنْ
دُونِهِ أَوْلِيَاءَ مَا نَعْبُدُهُمْ إِلَّا لِيُقَرِّبُونَا إِلَى اللَّهِ زُلْفَى﴾
[الزمر: 3]، ثم راح بعد ذلك يملي عليهم ما شاء من البدع والضلالات.
وهكذا في كل شيء يتدخل الشيطان
ليحرف الحقائق والقيم، لأنه، وإن عجز عن مواجهة النبوة، أو تحريف كلمات الله إلا
أنه لم يعجز عن الوسوسة للمنتسبين إليها، وتحريف حقيقة الدين في أعينهم، لينحرف
بذلك سلوكهم وحياتهم.
وكمثال على ذلك ـ أيها المريد
الصادق ـ تحريفه لمفهوم الجهاد في سبيل الله، والذي لم
نام کتاب : مثالب النفس الأمارة نویسنده : أبو لحية، نور الدين جلد : 1 صفحه : 594