نام کتاب : مثالب النفس الأمارة نویسنده : أبو لحية، نور الدين جلد : 1 صفحه : 74
يمنعه ذلك عن صيام يومه، ولو شاء
أن يسأل ربّه فيؤتى بكنوز الأرض وثمارها ورغد عيشها من مشارقها ومغاربها لفعل،
وربّما بكيت رحمة له ممّا أوتي من الجوع، فأقول: نفسي لك الفداء لو تبلّغت من
الدّنيا بقدر ما يقوتك ويمنعك من الجوع؟ فيقول: يا عائشة إخواني من أولى العزم من
الرّسل قد صبروا على ما هو أشدّ من هذا فمضوا على حالهم، وقدموا على ربّهم فأكرم
مآبهم وأجزل ثوابهم فأجدني أستحي إن ترفّهت في معيشتي أن يقصر بي دونهم، فأصبر
أيّاما يسيرة أحبّ إليّ من أن ينقص حظّي غدا في الآخرة، وما من شيء أحبّ إليّ من
اللّحوق بإخواني وأخلاّئي) ([69])
هذه ـ أيها المريد الصادق ـ بعض
الأعمال التي يمكنك لو عملت بها، وداومت عليها أن تعالج الكبر الذي قد يتطرق إلى
نفسك، ليدمرها، ويملأها بالخراب.
ولكن ذلك ـ كما ذكرت لك ـ لا
يكفي.. فداء الكبر داء خفي، ولا يمكن علاجه بذلك وحده، وإنما يعالج بالتفكر
والتأمل وتحقيق العبودية.. أما تلك السلوكات التي ذكرت لك، فلها دورها الكبير في
الحماية من آثار الكبر، أو تطوره.. ولعل الله تعالى إن رأى عزمك على إصلاح ما بدا
لك من الكبر أن يصلح عنك ما عجزت عما خفي منه.
فلذلك لا تحتقر تلك الأعمال، ولا
تكتف بها.. بل اجمع بينها وبين ما ذكرته لك في العلاج المعرفي؛ فهما كاليدان تغسل
إحداهما الأخرى.. ولهذا قال الله تعالى في الجمع بينهما: ﴿إِن الَّذِينَ
قَالُوا رَبُّنَا الله ثُمَّ اسْتَقَامُوا فَلَا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلَا هُمْ
يَحْزَنُونَ ﴾ [الأحقاف: 13]
فالإيمان يتحقق بالعلاج المعرفي،
والاستقامة تتحقق بالعلاج السلوكي، ومن جمع بينهما نال ذلك الجزاء الذي ذكره الله
تعالى.. وذكر في آية أخرى ما هو أعظم من ذلك، فقال: ﴿إِن الَّذِينَ قَالُوا
رَبُّنَا الله ثُمَّ اسْتَقَامُوا تَتَنَزَّلُ عَلَيْهِمُ الْمَلَائِكَةُ أَلَّا
تَخَافُوا وَلَا تَحْزَنُوا وَأَبْشِرُوا