قلت: لعلك تقصد ما ذكره علماء
السلوك من المسلمين وغيرهم من أن الخلق الحسن يقع بين طرفين مذمومين والاستقامة
والعدل هو تجنب الطرفين المذمومين.
قال: بل قد ورد هذا المعنى في
القرآن الكريم واضحا جليا، فقد ذكر في القرآن الكريم الأكل مقيدا بما يمنعه من
الطغيان، قال تعالى:﴿ وَهُوَ الَّذِي أَنْشَأَ جَنَّاتٍ مَعْرُوشَاتٍ
وَغَيْرَ مَعْرُوشَاتٍ وَالنَّخْلَ وَالزَّرْعَ مُخْتَلِفاً أُكُلُهُ
وَالزَّيْتُونَ وَالرُّمَّانَ مُتَشَابِهاً وَغَيْرَ مُتَشَابِهٍ كُلُوا مِنْ
ثَمَرِهِ إِذَا أَثْمَرَ وَآتُوا حَقَّهُ يَوْمَ حَصَادِهِ وَلا تُسْرِفُوا
إِنَّهُ لا يُحِبُّ الْمُسْرِفِينَ﴾ (الأنعام:141)، ففي الآية الكرية دعوة للأكل تنافي ما يدعو
إليه الرهبان من الجوع، ولكنها لا تنسجم كذلك مع ما يدعوا إليه أهل الشهوات من
الاقتصار على الأكل المجرد.. وهي تدعو كذلك إلى البذل، وعدم نسيان المحتاجين، لأن
الشهوة قد تولد الحرص المولد للبخل، فلذلك تعارض الشهوة بالبذل.
قلت: صدقت في هذا، وقد قال تعالى:﴿وَلا تَجْعَلْ يَدَكَ
مَغْلُولَةً إِلَى عُنُقِكَ وَلا تَبْسُطْهَا كُلَّ الْبَسْطِ فَتَقْعُدَ مَلُوماً
مَحْسُوراً﴾ (الاسراء:29)، فغل اليد
إلى العنق يولد صفة البخل، وهي من شر الصفات، وبسط اليد كل البسط، قد يولد الفاقة
والفقر، وهو كذلك منبع من منابع الانحراف، كما قال a:( كاد الفقر أن يكون كفرا)[1]
قلت: قد عرفت الخلق، وأنه أداء
الحقوق لأصحابها، فمن هم أصحاب هذه