قال: هؤلاء مرضى يئس أطباؤكم من علاجهم.. فهداهم الله لهذا
المستشفى.
قلت: ولكن عللهم لا تزال تنخر في أجسادهم.
قال: وما يهمهم من عللهم.. هم يعيشون في سعادة لا يعيشها
أعظم ملوككم.
أشار إلى أحدهم، فقال: أتعلم من هذا؟
قلت: لا.. ولكن يبدو أن المشيب بدأ يشتعل في شعره ليقضي
على سواد شبابه.
قال: هذا الرجل الذي تراه، جلس هنا منذ ثمانين سنة، ولم
يفارق مجلسه.
قلت: ثمانين.. عجيب هذا.. لا يبدو عليه التقدم في العمر.
قال: إنما يعمر الجسد البالي.. أما المعاينون، فقد ذاقوا
إكسير الشباب الدائم، فلا ينشغلون بشيخوخة ولا هرم.
قلت: يا معلم.. دعني أجلس معهم.
قال: ألم نتفق على عدم السكون لشيء؟
قلت: أجل..
قال: فهيا.. فبالله إن تسر ترى العجائب.
***
خرجت من القاعة، وعند خروجي ربت على كتفي شيخ وقور بحنان،
وقال: (أليس في قدرة هذا الذي خلق كل هذا أن يخفف عني ما أنا فيه، أو يرمي بدائي
إلى الهاوية التي لا حدود لها!؟)
قلت: نعم.. فمن أنت؟.. فما أعظم وقارك؟
تركني وانصرف، قال المعلم: هذا نزيل أقنعه الأطباء بكل
أجهزتهم أنه ميئوس منه، وقد جاء إلى هنا.. وهو يعيش في سلام منذ جاء.