حى من أحياء العرب،
فاستضافوهم، فأبوا أن يضيفوهم، فلدغ سيد ذلك الحى، فسعوا له بكل شىء لا ينفعه شىء،
فقال بعضهم: لو أتيتم هؤلاء الرهط الذين نزلوا لعلهم أن يكون عند بعضهم شىء.
فأتوهم، فقالوا: يا أيها الرهط؛ إن سيدنا لدغ، وسعينا له بكل شىء لا ينفعه، فهل
عند أحد منكم من شىء؟ فقال بعضهم: نعم والله إنى لأرقى، ولكن استضفناكم، فلم
تضيفونا، فما أنا براق حتى تجعلوا لنا جعلا، فصالحوهم على قطيع من الغنم، فانطلق
يتفل عليه، ويقرأ:﴿ الحمد لله رب العالمين ﴾، فكأنما أنشط من عقال،
فانطلق يمشى وما به قلبة، قال: فأوفوهم جعلهم الذى صالحوهم عليه، فقال بعضهم:
اقتسموا، فقال الذى رقى: لا تفعلوا حتى نأتى رسول الله a، فنذكر له الذى كان، فننظر ما
يأمرنا، فقدموا على رسول الله a،
فذكروا له ذلك، فقال: (وما يدريك أنها رقية؟)، ثم قال: (قد أصبتم، اقسموا واضربوا
لى معكم سهما)
قلت: لقد قرأ عليه القرآن
الكريم، فكيف اعتبر هذا رقية؟
قال: السر في اعتبارها رقية
هو جمع الراقي بين القراءة والنفث عليه.
قلت: لقد ذكر ابن القيم
السر في تأثير هذا النوع من الرقية، فقال: (وقد جعل الله سبحانه لكل داء دواء،
ولكل شيء ضدا، ونفس الراقي تفعل في نفس المرقى، فيقع بين نفسيهما فعل وانفعال، كما
يقع بين الداء والدواء، فتقوى نفس الراقي وقوته بالرقية على ذلك الداء، فيدفعه
بإذن الله، ومدار تأثير الأدوية والأدواء على الفعل والانفعال، وهو كما يقع بين
الداء والدواء الطبيعيين، يقع بين الداء والدواء الروحانيين، والروحاني، والطبيعي،
وفى النفث والتفل استعانة بتلك الرطوبة والهواء، والنفس المباشر للرقية، والذكر
والدعاء، فإن الرقية تخرج من قلب الراقي وفمه، فإذا صاحبها شيء من أجزاء باطنه من
الريق والهواء والنفس، كانت أتم تأثيرا، وأقوى فعلا ونفوذا، ويحصل بالازدواج
بينهما كيفية مؤثرة شبيهة بالكيفية الحادثة عند تركيب الأدوية.