قلت: لقد قال بعضهم في هذا: (لن يصيب العبد حقيقة الرضا
حتى يكون رضاه عند الفقر كرضاه عند الغنى، كيف تستقضي الله في أمرك ثم تسخط إن
رأيت قضاءه مخالفا لهواك، ولعل ما هويت من ذلك لو وفق لك فيه هلكك، وترضى قضاءه
إذا وافق هواك؟ ما أنصفت من نفسك ولا أصبت باب الرضا)
قال: بل، لقد اتفقت كلمة الصالحين على هذا المعنى، فهذا أحدهم
يقول: ( الإنسان خزف، وليس للخزف من الخطر ما يعارض فيه حكم الحق تعالى)
وعبروا عن أحوالهم في ذلك، فقال عبد الله بن مسعود: (لأن
ألحس جمرة أحرقت ما أحرقت وأبقت ما أبقت أحب إليَّ من أن أقول لشيء كان ليته لم
يكن أو لشيء لم يكن ليته كان)
وقال بعض الصالحين: (لو قرض جسمي بالمقاريض لكان أحب إلي
من أن أقول لشيء قضاه الله تعالى سبحانه ليته لم يقضه)
وحدث آخر، فقال: قال رجل: لأمتحنن أهل البلاء. قال: فدخلت
على رجل بطرسوس وقد أكلت الآكلة أطرافه. فقلت له: كيف أصبحت؟ قال: أصبحت والله وكل
عرق وكل عضو يألم على حدته من الوجع، وإن ذلك لبعين الله أحبه إلي أحبه إلى الله،
وما قدر ما أخذ ربي مني؟ وددت أن ربي قطع مني الأعضاء التي اكتسبت بها الإثم، وأنه
لم يبق مني إلا لساني يكون له ذاكرا. قال: فقال له رجل: متى بدأت بك هذه العلة؟
فقال: الخلق كلهم عبيد الله وعياله، فإذا نزلت بالعباد علة فالشكوى إلى الله ليس
يشتكى إلى العبيد.
قلت: هذا سبيل صالح.. فما السبيل الثاني؟
قال: إذا اشتقت أن تلبس لباس الرضى، وتسكن مع الراضين في
جنة الأمن والفرح والسرور، فردد مع النبي a هذا الدعاء الذي يسأل الله فيه أن
يرزقه بالرضى بالقضاء فلا ينال ما عند الله إلا من يد الله، قال a: ( اللهم بعلمك الغيب وقدرتك
على الخلق أحيني إذا كانت