يا مانح العصم قال: ثم صرخ وبكى ثم نادى: طوبى لقلوب ملأتها
خشيتك واستولت عليها محبتك فمحبتك مانعة لها من كل لذة غير مناجاتك، والاجتهاد في
خدمتك، وخشيتك قاطعة لها عن كل معصية خوفا لحلول سخطك)، ثم بكى، وقال: (يا إخوتاه
ابكوا على خوف فوت الآخرة حيث لا رجعة ولا حيلة)
فهمة الصالحين منصرفة للبحث عن رضوان الله، والخوف من
سخطه، ولا يهمها بعد ذلك ما يحل بها، فهي تبحث عن رضى الله عنها لا عن رضاها هي
على الله.
قلت: يا معلم.. فكيف أتحقق بهذا الرضى الذي يمسح عن قلبي
كل الآلام؟.. وكيف ألتحق بركب الأولياء الشاربين من هذه العين؟
قال: بترتيل أسماء لطفه، والنظر في جميل صنعه، والاستغراق
في سابق إحسانه، والأمل في جميل أفضاله.
قلت: كيف أستعمل هذا العلاج؟
قال: أرأيت لو أحسنت إلى أحدهم دهرك جميعا بمعشار ما أحسن
الله إليك، بل بمعشار المعشار، أترضى أن يسخط عليك.
قلت: كلا.. فهذا فعل الجحود.
قال: فكيف لا ترضى على من لا خير إلا منه، ولا فضل إلا في
يديه الكريمتين؟
قلت: لقد ذكرتني بقول بعض الصالحين: إنَّ الله تعالى من
كرمه قد رضي من عبـيده بما رضي العبـيد من مواليهم فقيل له: وكيف ذاك؟ قال: أليس
مراد العبد من الخلق أن يرضى عنه مولاه؟ قيل: نعم، قال: فإن محبة الله من عبـيده
أن يرضوا عنه.
قال: أجل.. فالرضى عن الله هو ما يوجبه حسن الخلق مع الله،
ولو تأمل المعترض على ربه حقيقته لوجدها أهون من أن تعارض الحق، فكيف يجسر على
ذلك، وهو لا يعدو أن يكون حفنة تراب.