وهكذا في كل المواقف، نجد المؤمنين الصادقين الناجحين فيما
أنعم به عليهم من البلاء، ونجد الراسبين الساقطين في الامتحان الذين قال تعالى في
شأنهم:﴿ وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يَعْبُدُ اللَّهَ عَلَى حَرْفٍ فَإِنْ
أَصَابَهُ خَيْرٌ اطْمَأَنَّ بِهِ وَإِنْ أَصَابَتْهُ فِتْنَةٌ انْقَلَبَ عَلَى
وَجْهِهِ خَسِرَ الدُّنْيَا وَالْآخِرَةَ ذَلِكَ هُوَ الْخُسْرَانُ الْمُبِينُ﴾ (الحج:11)
فهذا الخاسر لا يعبد الله في الحقيقة وإنما يعبد أهواءه
التي قد تتفق أحيانا مع ما يأمر به الله، فيتوهم الخلق أنه يعبد الله، فلذلك يبتلى
بما يظهر حقيقته، ويكشف عن سريرته.
نعمة
التمحيص:
قلت: فما نعمة التمحيص؟
قال: هي التي أشار إليها قوله تعالى:﴿ وَلِيُمَحِّصَ اللَّهُ
الَّذِينَ آمَنُوا وَيَمْحَقَ الْكَافِرِينَ﴾ (آل عمران:141)، فقد أخبر
تعالى أن العلة في البلاء الذي حصل للمؤمنين هو تمحيصهم، كما أن علة البلاء الحال
بغيرهم هو محقهم.
قال: هو التنقية والتطهير والتمييز لتظهر أهلية كل واحد
منهم ما يستحقه من جزاء.
قلت: فما يظهر تلك الأهلية؟
قال: لا تبرز الأهلية إلا بأسياف البلاء، ورياح الفتن،
وأنواع التمحيص، فالدعاوى سهلة، ولكن الصعب إثباتها، ولذلك رد الله تعالى على من
حسبوا الأمر سهلا، تكفي فيه مجرد
[1] المحص: في اللغة التنقية،
والمحق في اللغة النقصان، وقال المفضل: هو أن يذهب الشيء كله حتى لا يرى منه شيء،
ومنه قوله تعالى:) يمحق الله الربا((البقرة: 276) أي يستأصله.