قال: عجبا.. لقد دخلت الحمام، ذات مرة، فلما كنت في بعض تغسيلي خرجت
إلى مشلح الحمام، وطلبت دواة وقلما وورقا وأخذت فى تصنيف مقالة فى النبض إلى أن
أنهيتها، ثم عدت ودخلت الحمام وكملت غسلي.
قلت: فلم لم تنه حمامك أولا؟
قال: لقد كنت شغوفا بالعلم والتأليف بحيث لا أصبر عنهما.. ألم تسمع
ما قيل عني؟
قلت: وما قيل؟
قال: قالوا:(كان إذا أراد التصنيف توضع له الأقلام مبرية، ويدير وجهه
إلى الحائط، ويأخذ في التصنيف إملاء من خاطره، ويكتب مثل السيل إذا تحدر فإذا كل
القلم وحفي رمى به، وتناول غيره لئلا يضيع عليه الزمان في بري القلم)
قال الرازي: لقد قصروا في وصفك.. فأنت أعظم من ذلك بكثير.. فادخل
الموضوع.. فقد سأل عن سر التداوي بالغذاء.. ولم يسأل عن ابن النفيس.
قال ابن النفيس: أجل.. وأنا لم أقدم هذه المقدمات من باب الحديث عن
نفسي، معاذ الله، فأنا أحقر شأنا من أن أعطي نفسي ما لم يعطها الله[1].. ولكني تحدثت عنها ليعلم صدقي
فيما أقول، ألم يقل يوسف u: ﴿ اجْعَلْنِي عَلَى خَزَائِنِ الْأَرْضِ
إِنِّي حَفِيظٌ عَلِيمٌ ﴾ (يوسف:55)
قلت: اجعلني في حل يا ابن النفيس، فقد أسأت بك الظن.
قال: ﴿ سَوْفَ أَسْتَغْفِرُ لَكُمْ
رَبِّي إِنَّهُ هُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ ﴾(يوسف:98).. أما ما سألتني عنه، فقد قيل
عني كلام أرادوا جرحي به، ولكنه في الحقيقة يمثل منهجي في العلاج.
قلت: وما قالوا؟
[1] مما يدل على تواضعه ما
حكى عنه الشيخ أبو ثناء الحلبي، قال: شكوت إلى ابن النفيس عقالا في يدي فقال لي:«
وأنا والله بي عقال فقلت: فبأي شيء أداويه؟» فقال:« والله ما أعرف بأي شيء أداويه
» ثم لم يزد على هذا.