قال: لقد قالوا:(كان ابن النفيس على وفور علمه بالطب وإتقانه لفروعه
وأصوله قليل البصر في العلاج، فإذا وصف لا يخرج بأحد عن مألوفه ولا يصف دواء ما
أمكنه أن يصف غذاء، ولا مركبا ما أمكنه الاستغناء بمفرده، وكان ربما وصف القمحية،
وهي نوع من البليلة، لمن شكا القرحة، والتطماج، وهو نوع من اللحم المطهو بالتوابل
لمن شكا هواء، والخروب والقضامة لمن شكا إسهالا، ومن هذا ومثله، ولكل ما يلائم
مأكله ويأكله حتى قال له العطار الشرابي الذي كان يجلس عنده:(إذا أردت أن تصف مثل
هذه الوصفات اقعد على دكان اللحام، وأما إذا قعدت عندي فلا تصف إلا السكر والشراب
والأدوية)
قلت: فهل كان العلاج بالغذاء شيئا اختصصت به، أو اختص به أبو بكر..
أم هو أسلوب من أساليب العلاج في المجتمعات الإسلامية؟
قال ابن النفيس: بل هو أسلوب من أساليب العلاج التي كنا نمارسها، فقد
كانت المعالجة بالأغذية للأمراض من أهم أسس العلاج الطبي لكثير من الأمراض في
المستشفيات في الحواضر الإسلامية.
قاطعنا رجل يظهر على وجهه وثيابه أنه من العصور الخوالي، فتقدم إليه
ابن النفيس والرازي بالتحية والاحترام، فقلت: من أنت؟.. فلا أرى إلا أنك من العصور
التي لم يبق لها أي أثر.
قال: ألا تعرفني؟ أنا أبقراط.. أنا أبو الطب[1].. لقد كنت طبيبا قبل أطباء قومك
بـ 4500 عام.. وكل من تراه هنا تلاميذي.
قلت: فهل كنت تعالج المرضى بالغذاء؟
قال أبقراط: أجل.. ألا تعرف مقولتي:(ليكن غذاؤك دواءك، وعالجوا كل مريض بنبات
[1] سمي بذلك لدوره الكبير في
تخليص الطب من الخرافات، ومحاولة النهوض به.