بقوله:(
ثم إن الإيمان أراني بفضل أسرار القرآن الكريم أراني أحوال الدنيا وأوضاعها
المنهارة في ظلمات العدم بنظر الغفلة، لا تتدحرج هكذا في غياهب العدم - كما ظنّ في
بادئ الأمر - بل إنها نوع من رسائل ربانية ومكاتيب صمدانية، وصحائف نقوش للأسماء
السبحانية قد أتمّت مهامها، وأفادت معانيها، وأخلفت عنها نتائجها في الوجود،
فأعلمني الإيمان بذلك ماهية الدنيا علم اليقين)[1]
وشبه
عبور المؤمن للكون الحسي الذي يستوي في النظر إليه العارف والغافل، بالنظر إلى
المرآة، فهي من حيث أنها زجاجة، نرى مادتها الزجاجية، وتكون الصورة المتمثلة فيها
شيئا ثانويا، بينما إن كان القصد من النظر الى المرآة رؤية الصورة المتمثلة فيها،
فالصورة تتوضح أمامنا بينما يبقى زجاج المرآة أمراً ثانوياً.
وقد
وضع اصطلاحين لذلك، ليوضح من خلالها النظرة القرآنية العرفانية للكون، استفادهما
من اصطلاحات النحويين هما ( المعنى الاسمي للكون، والمعنى الحرفي له، فالاسم ما دل
على معنى في نفسه، أما الحرف فهو الذي: دلّ على معنى في غيره.
والنظرة
القرآنية الإيمانية إلى الموجودات تجعلها جميعا حروفاً، تعبّر عن معنى في غيرها،
وهذا المعنى هو تجليات الاسماء الحسنى والصفات الجليلة للخالق العظيم المتجلية على
الموجودات.