ونلاحظ
هنا كذلك أن هؤلاء العارفين لا يقتصرون على النظر إلى المكونات، بل يبحثون في
حركاتها وسكناتها وعجيب ما يحدث لها من التحولات، ليتعرفوا من خلال ذلك على الله،
وكأن الحسين كان ينظر من مشكاة هذه الآية عندما قال في مناجاته:( إلـهي! قد علمت باختلاف الآثار وتنقلات الأطوار، أن مرادك أن تتعرف
إلي في كل شيء، حتى لا أجهلك في شيء)
ويلي
هؤلاء ـ الذين تعمقوا في معرفة الله نتيجة تعمقهم في معرفة الكون ـ أصحاب العقول
الراجحة الذين يمدون أبصارهم لتأمل جميع المكونات في البر والبحر والسماء والأرض،
قال تعالى:﴿ إِنَّ فِي خَلْقِ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَاخْتِلَافِ
اللَّيْلِ وَالنَّهَارِ وَالْفُلْكِ الَّتِي تَجْرِي فِي الْبَحْرِ بِمَا يَنفَعُ
النَّاسَ وَمَا أَنزَلَ اللَّهُ مِنْ السَّمَاءِ مِنْ مَاءٍ فَأَحْيَا بِهِ
الْأَرْضَ بَعْدَ مَوْتِهَا وَبَثَّ فِيهَا مِنْ كُلِّ دَابَّةٍ وَتَصْرِيفِ
الرِّيَاحِ وَالسَّحَابِ الْمُسَخَّرِ بَيْنَ السَّمَاءِ وَالْأَرْضِ لَآيَاتٍ
لِقَوْمٍ يَعْقِلُونَ ﴾ (البقرة:164)
ونلاحظ
في هذه الآية الكريمة التفصيل في ذكر أنواع المكونات، ثم الإخبار بأن هذه الآيات
خاصة بالذين يعقلون، وفي ذلك إشارة إلى الفريق الثاني ممن يستفيدون من آيات الله،
وهم الذين يستعملون عقولهم في الاستدلال على الخالق، وقد مثل هؤلاء علماء التوحيد
والكلام، بخلاف الآيات السابقة التي عبرت عن العقل باللب.
ومثل
هذه الآية ما ورد من تفاصيل قد لا يدرك أكثرها إلا العلماء