ولكن
مع ذلك ـ ولزوما للمنهج العلمي ـ سنسوق بعض أدلة وردود عمدة من عمد هذا المنهج وهو
الفخر الرازي، فقد نص على رأيه هذا بقوله:( اعلم أن الحي المكلف يسبح لله بوجهين:
الأول: بالقول كقوله باللسان سبحان الله، والثاني: بدلالة أحواله على توحيد الله
تعالى وتقديسه وعزته، فأما الذي لا يكون مكلفاً مثل البهائم، ومن لا يكون حياً مثل
الجمادات فهي إنما تسبح لله تعالى بالطريق الثاني)[1]
وقد
استدل لذلك باستدلال بعيد منشؤه ما ذكرناه من توهم عدم حياة الكون أو تصور أن
النطق يحتاج إلى آلة كآلة نطق الإنسان، وهو تغليب للخيال على العقل، وانتصار للوهم
على الحقائق، قال الرازي في بيان وجه هذا الاستدلال:( لأن التسبيح بالطريق الأول
لا يحصل إلا مع الفهم والعلم والإدراك والنطق وكل ذلك في الجماد محال، فلم يبق
حصول التسبيح في حقه إلا بالطريق الثاني)
والعجب
هو اعتباره ذلك محالا، فأي استحالة عقلية في ذلك، وهل العقل من الإحاطة بحيث يدرك
سر الحياة حتى يهيه لمن يشاء ويسلبه عمن يشاء؟ وأي استحالة نقلية، والنصوص تعج
بأدلة حياة الكائنات.
بل
ذهب الرازي إلى أبعد من ذلك حين استلزم مما اعتبره دليلا أن اعتبار تسبيحها يقوض
الاستدلال على اتصاف بالله بالحياة، قال:( واعلم أنا لو جوزنا في الجماد أن يكون
عالماً متكلماً لعجزنا عن الاستدلال بكونه تعالى عالماً قادراً