فإن هذا الحديث ـ مع
عدم قوته نقلا ـ يتعارض مع النصوص القرآنية والنبوية الكثيرة الدالة على اختصاص
الله بعلم أهل الجنة وأهل النار، بل إن الله تعالى يأمر رسوله a أن يقول:﴿ قُلْ مَا كُنْتُ بِدْعاً مِنَ الرُّسُلِ وَمَا
أَدْرِي مَا يُفْعَلُ بِي وَلا بِكُمْ إِنْ أَتَّبِعُ إِلَّا مَا يُوحَى إِلَيَّ
وَمَا أَنَا إِلَّا نَذِيرٌ مُبِينٌ﴾ (الاحقاف:9)
فالآية الكريمة تنص على
أن رسول الله a كان لا يعلم مصيره[1]، فكيف يحمل كتابا يحوي مصائر الخلق جميعا، وقد روي عن ابن عباس أنه
قال: نزل بعدها:﴿ لِيَغْفِرَ لَكَ اللَّهُ مَا تَقَدَّمَ مِنْ ذَنْبِكَ
وَمَا تَأَخَّرَ﴾ (الفتح: 2)
بل ورد في الحديث
الشريف ما يدل على هذا، فعن أم العلاء - وكانت بايعت رسول اللّه a قالت:( طار لهم في السكنى حين اقترعت الأنصار على سكنى المهاجرين
عثمان بن مظعون، فاشتكى عثمان فمرَّضناه حتى إذا توفي أدرجناه في أثوابه، فدخل
علينا رسول اللّه a، فقلت:( رحمة اللّه عليك أبا السائب شهادتي عليك، لقد أكرمك اللّه
تعالى، فقال رسول اللّه a:( وما يدريك أن اللّه تعالى أكرمه؟)،
فقلت:( لا أدري بأبي أنت وأمي)، فقال رسول اللّه a:( أما هو فقد جاءه اليقين من ربه وأني لأرجو له الخير، واللّه ما
أدري وأنا رسول اللّه ما يفعل بي)، قالت، فقلت:( واللّه لا أزكي أحداً بعده
أبداً)، وأحزنني ذلك، فنمت فرأيت لعثمان عيناً تجري، فجئت إلى رسول اللّه a، فأخبرته بذلك، فقال رسول اللّه a:( ذاك عمله)، وفي
[1] وفسرت هذه الآية كما قال الضحّاك:(أي ما أدري
بماذا أومر وبماذا أنهى بعد هذا؟) وفسرها الحسن البصري على أن المراد منها ما يحصل
من أحوال الدنيا وتقلبانها، « أما في الآخرة فمعاذ اللّه وقد علم أنه في الجنة،
ولكن قال: لا أدري ما يفعل بي ولا بكم في الدنيا، أخرج كما أخرجت الأنبياء؟ أم
أُقْتل كما قتلت الأنبياء من قبلي؟ ولا أدري أيخسف بكم أو ترمون بالحجارة؟) انظر:
تفسير ابن كثير: 7/276.
ونرى أن هذا هو الأوجه، فإنه r
بالنسبة إلى الآخرة جازم أنه يصير إلى الجنة هو ومن اتبعه؛ وأما في الدنيا فلم يدر
ما كان يؤول إليه أمره وأمر مشركي قريش، إلى ماذا أيؤمنون أم يكفرون فيعذبون،
فيستأصلون بكفرهم؟ ولكن هذا أيضا لا يمنع من احتمال الآية لما ذكرنا.