وهذا التعبير في
الحقيقة لم نبتدعه ابتداعا، وإنما هو تعبير سلفنا الأول من العلماء، بل قد كان هذا
التعبير ملاصقا للقدر من القرون الأولى، وسبب ذلك ليس ما نفهمه من معنى السر الذي
لا يجوز كشفه، وإنما هو من معنى السر الذي يحرص على كشفه، فبعض الناس لا يلقي باله
إلا إذا عرف أن الأمر سر، فاستجلاء الأسرار طبع لا ينفك عنه طبع الإنسان.
ثم إن القدر سر من نواح
أخرى كثيرة..
فهو لغموضه سر، لا
يفهمه ـ بدقائقه ـ إلا الخاصة من الناس، فهو ـ كسائر النظريات التي تفسر الكون
جميعا ـ يحتاح إلى عقل واع بصير.
وهو لارتباطه بالنواحي
الوجدانية سر لا يفهمه إلا من ذاق رحيق الإيمان من رياض الحقائق الأزلية، فالقدر
أعظم تجليات الإيمان، كما أن الحقائق الكبرى للوجود من أعظم تجليات العلوم.
وهو ـ لتشعب نواحيه ـ
سر لا يفهمه إلا من أوتي بصيرة توفق بين ما يراه الناس متعارضات يستحيل الجمع
بينها، فيوفق بين البرودة والحرارة، ويحول من الألوان المشوشة عند بعض العيون
سجادة جميلة تمتلئ بها الأبصار، وتشرق بها البصائر.
وهو سر من نواح أخرى
كثيرة سنكتشفها في هذه الرسالة التي نستغفر الله من الزلل فيما أودعناه فيها من
آراء، ونحمده على ما هدانا فيها من صواب، ونحن شاكرون لكل باحث عن حق هدانا إلى
حق، أو صدنا عن باطل.