وكشف سر الرحمة يعيدنا
إلى بدء الخلق وغاية الخلق، فالله خلق الخلق ليرحمهم، وأكرمهم بالوجود ليكرمهم
بعدها بكل ما يقتضيه وجودهم من أنواع الإكرام، وقد يمرون بالفتن التي تختبر
جواهرهم، أو تهيئ جواهرهرهم لرحمة الله، وهذا السر يرينا تجليات الرحمة الإلهية في
تلك الفتن كما يرينا تجلياتها في الرحمة المحضة.
وكشف كل سر من هذه
الأسرار يشعرنا بالسلام، السلام الشامل مع الله، ومع الكون، ومع نظام الكون، ومع
ذواتنا، لأن أول خطيئة من خطايا سوء الفهم للأقدار هي الصراع، الصراع مع الله، ومع
تخطيط الله، ومع مراد الله.
* * *
بعد هذا، قد نرى من
يعتبر هذا الأمر لغوا، أو ترهات، أو جدلا فارغا، ونحن ـ لحبنا السلام وبغضنا
للصراع والجدال ـ نوافقهم في كثير من ذلك، لأن اسم القدر أصبح عنوانا للشغب
والجدال، فلا ترى كتابا يبحث في هذه المسألة إلا وترى فيه من الجدل والتشنيع على
المخالفين ما يملأ نفسك مرارة، فلا تخرج منه بحلاوة الإيمان، وإنما تخرج منه ببغض
القدرية والجبرية وغيرهم ممن تكلم في القدر أو حاول أن يكشف أسراره.
ولكنا مع ذلك لا
نوافقهم على عدم الخوض في هذه المسألة، فهي مسألة من مسائل الإيمان، بل ركن من
أركانه، بل هي من مسائل الوجود التي يقتضي العقل البحث فيها، ومن العبث عدم تلبية
متطلبات العقل، لأن وساوسه ستظل تلح على الإنسان شاء أم أبى.
ثم لماذا ننظر إلى هذه
المسألة بهذه السوداوية، مع أن أريج الروائح الطيبة لها ـ كما يصورها القرآن
الكريم ـ تجعل الإنسان مسوقا من حيث لا يشعر إلى التلذذ بروائحها العطرة!؟
وفي الأخير..
قد يعاتبنا البعض على
التعبير عن حقائق القدر بكونها ( أسرارا)، فهل في الدين أسرار؟