وما وقع في التاريخ
الإسلامي من تنازع المذاهب والطوائف[1] وقع بسبب نصرة بعض أسراره على بعض، فكل ينصر حقا على حساب حق، ويرد
بحق على حق، ويقف في زمرة حق ضد زمرة حق.
ولو تخلوا عن التعصب،
واهتدوا بهدي القرآن الكريم وأعملوا النصوص جميعا لرأوا أن الحق في النصوص جميعا،
بل في الظواهر البسيطة للنصوص، والتي لا تحتاج إلى تعسف تأويل أو تكلف شرح.
وهذه الأسرار الأربعة،
والتي أسسنا عليها هذه الرسالة، هي: التوحيد والعدل والحكمة والرحمة.
فكشف سر التوحيد يبصرنا
بالمهندس الأول للكون، والمنظم الأوحد لشؤونه، والمدبر الخبير بتفاصيله، فلا نرى
في مرآة هذا السر غير الله، فنغيب بالله عن الكون الذي يسيره، وقد نرى الأمر حينها
جبرا، لولا أن يمدنا الله بحقائق صفاته، ومقتضيات أسمائه لتعود لنا عقولنا،
فنستكنه سائر الأسرار، ونعيش سائر الحقائق.
وكشف سر العدل يعيدنا
إلى ذواتنا لنبصر إرادتنا، وهي تتحرك في أطر كثيرة واسعة من الاختيارات، لنتحمل
حينها مسؤوليتنا على تصرفاتنا، وقد تصيبنا الغفلة عند هذا السر عن السر الأول،
فتنصور أن لنا كونا قائما بذاته يضاهي الألوهية، لولا أن يردنا السر الأول إلى
حقيقتنا، فينسجم التوحيد مع العدل، ونترتب في بنيان هذا الكون بحسب الترتيب الذي
وضع لنا.
وكشف سر الحكمة يجعل من
الكون مرآة لتجليات أسماء الله الحسنى وصفاته العليا، فنرى من خلال حركات الكون
صفات الله، أو تجليات أسماء الله، فنعيش مع الله، وتصبح أقدار الله حينها رسائل
جميلة يهديها الله لنا كل حين لنتعرف عليه، لا جبالا قاسية نصطدم بها
[1] مسألة القضاء والقدر من أكبر المسائل التي وقع
فيها الخلاف في الأمة، ولا يزال الخلاف فيها ساريا إلى اليوم.