السر الرابع من
أسرار التوحيد في القدر هو أن يعلم المؤمن أن لله تعالى الذي له
العلم المطلق والاختيار المطلق هو المنفذ لكل ما أراده واختاره، لأنه له القدرة
المطلقة.
وهذا ما يرقى به المؤمن إلى آفاق عظيمة من العرفان، تجعله لا
يرى في الكون إلا يد الله، وهي تحرك كل شيء.
وهنا يسقط في تلك
الغيبوبة الجميلة التي يعيشها أهل الله، حين يرون الانسجام التام في الكون، لأنه
لا تصرف فيه إلا تصرف واحد.. وليس ذلك التصرف إلا تصرف الله.
وقد عبر سيد قطب ـ
رحمه الله ـ بلسانه البليغ على تلك الحال التي يحدها العارفون في هذا المقام، فقال
في تفسير قوله تعالى:﴿ قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ ﴾ (الاخلاص:1):(
إنها أحدية الوجود..فليس هناك حقيقة إلا حقيقته، وليس هناك وجود حقيقي إلا وجوده،
وكل موجود آخر فإنما يستمد وجوده من ذلك الوجود الحقيقي، ويستمد حقيقته من تلك
الحقيقة الذاتية.
وهي من ثم أحدية
الفاعلية.. فليس سواه فاعلاً لشيء، أو فاعلاً في شيء، في هذا أصلاً.. وهذه عقيدة
في الضمير وتفسير للوجود أيضاً.
فإذا استقر هذا
التفسير، ووضح هذا التصور، خلص القلب من كل غاشية ومن كل شائبة، ومن كل تعلق بغير
هذه اللذات الواحدة المتفردة بحقيقة الوجود وحقيقة الفاعلية.
خلص من التعلق بشيء
من أشياء هذا الوجود إن لم يخلص من الشعور بوجود شيء من الأشياء أصلاً! فلا حقيقة
لوجود إلا ذلك الوجود الإلهي، ولا حقيقة لفاعلية إلا فاعلية الإرادة الإلهية،
فعلام يتعلق القلب بما لا حقيقة لوجوده ولا لفاعليته!