وهذا يتوافق مع ما
ذكرناه من أن الله هو الفاعل الوحيد في الكون.
ولكن هذا قد يثير
تساؤلات كثيرة، ربما يجيب عنها البعض إجابات خاطئة توقع صاحبها في الجبر شعر أو لم
يشعر.
ونحن لن نجيب عليها في
هذا المحل [1].. لأنه محل مختص بالتوحيد.. والتوحيد يجعلنا لا نرى إلا الله.. أما
كل ما في الكون فلا نراه إلا خاضعا خضوعا مطلقا لله، لا يملك من أمره شيئا.
ولكن ذلك لا يعني ـ
بحال من الأحوال ـ الجبر..
فالجبر يعني القيود
التي توضع على صاحبها.. ولا يملك معها إلا أن ينفذ ما يجبر عليه.. وليس هناك من
يشعر في نفسه بهذا الشعور.
فقد عرفنا أن الله
تعالى أعطى الإنسان القدرة على منازعة أقدار الله، وأعطاه من القوى ما يشعره شعورا
لا يجادله فيه أحد بأن له الحرية في كل عمل يقوم به.
ولهذا فإن الشرع رتب
على هذا مسؤولية الإنسان على عمله، وهو ترتيب لا يخالف العقل، فإن البشر جميعا
يتعاملون في جميع المستويات على اعتبار مسؤولية الإنسان على أعماله، ولا يخرجون من
هذا القانون إلا من ارتفع عنه التكليف بزوال العقل، أو بعدم بلوغ سن التميز.
والقرآن الكريم يؤيد
هذا المعنى العقلي المتفق عليه ويخبر عن مسؤولية الإنسان عن أعماله، باعتبارها
كسبا حقيقيا له، قال تعالى:﴿ وَقِفُوهُمْ إِنَّهُمْ مَسْؤُولُونَ﴾ (الصافات:24)، وقال تعالى:﴿
فَلَنَسْأَلَنَّ الَّذِينَ أُرْسِلَ إِلَيْهِمْ وَلَنَسْأَلَنَّ الْمُرْسَلِينَ﴾ (لأعراف:6)، وقال تعالى:﴿
فَوَرَبِّكَ لَنَسْأَلَنَّهُمْ أَجْمَعِينَ﴾ (الحجر:92)، وقال تعالى:﴿ وَلَتُسْأَلُنَّ عَمَّا كُنْتُمْ
تَعْمَلُونَ﴾
[1] سنجيب عن هذا بتفصيل في فصل (العدل) من هذه
الرسالة.