وهذه المعارف الإيمانية
من اليقينيات التي يؤسس عليها المؤمن فهمه للقدر الإلهي، ويبني عليها تذوقه له..
ولكن الشبهة التي تعرض لمن لم يفقه معنى العلم الإلهي هو عدم تمييزه بين علم البشر
وعلم خالق البشر، فوقوعه في براثن التشبيه هو الذي يوقعه في مستنقعات نفي القدر أو
القول بالجبر.
ويمكن ـ من خلال القرآن
الكريم ـ استنباط ثلاث نواح يتميز بها علم الله عن علم الخلق، وبإدراكها والتعمق
في فهمها تزول كل الشبه المرتبطة بهذا الجانب من مفهوم القدر، وهذه النواحي هي:
السعة، والخبرة، والغنى.
أما السعة فننفي من
خلالها ما تصوره لنا أوهامنا من تشبيه علم الله اللامحدود بعلمنا المحدود، وبناء
على ذلك تنتفي غرابة علم الله بالتفاصيل والجزئيات ما دق منها وما جل.
وأما الخبرة، فننفي من
خلالها ما تصوره الأوهام من استغراب علم الله بالأشياء قبل حصولها.
وأما الغنى فنرى فيه
مدى القصور الذي تضعنا فيه أوهامنا حين تصور لنا حاجة الله الغني العليم إلى حصول
الأشياء ليحصل له العلم بها.
وإدراكنا لهذه الحقائق
وتسليمنا لها لا يجعلنا متوافقين فقط مع ما تنص عليه النصوص المقدسة، ولكنه يجعلنا
ـ أيضا ـ متوافقين مع ما تقتضيه عقولنا في أرقى درجات تقدسها.
ذلك أن العقل المتخلى
عن زهوه وخيلائه وكبره يدرك أن جميع معارفه إذا ما قيست بالمجاهيل، فإنها تؤول إلى
الصفر.. وهو ما عبر عنه في النصوص بأنه بمنزلة القطرة من البحر.
1 ـ سعة العليم:
الله تعالى هو المحيط بكل شيء علما، دقيقه وجليله،
وأوله وآخره، وعاقبته وفاتحته،