المراد بالتكليف في
المصطلح الإسلامي هو الوظيفة التي ندب لها البشر على هذه الأرض، وقد عبر عن هذه
الوظيفة في القرآن الكريم تعابير مختلفة، لكل منها دلالته الخاصة، ولكل منها
علاقته بالعدل الإلهي في التكليف.
فقد عبر عن التكليف
بكونه أمانة، كما قال تعالى:﴿ إِنَّا عَرَضْنَا الْأَمَانَةَ عَلَى السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ
وَالْجِبَالِ فَأَبَيْنَ أَنْ يَحْمِلْنَهَا وَأَشْفَقْنَ مِنْهَا وَحَمَلَهَا
الْأِنْسَانُ إِنَّهُ كَانَ ظَلُوماً جَهُولاً﴾ (الأحزاب:72)، ثم قال
بعدها:﴿ لِيُعَذِّبَ اللَّهُ الْمُنَافِقِينَ وَالْمُنَافِقَاتِ
وَالْمُشْرِكِينَ وَالْمُشْرِكَاتِ وَيَتُوبَ اللَّهُ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ
وَالْمُؤْمِنَاتِ وَكَانَ اللَّهُ غَفُوراً رَحِيماً﴾ (الأحزاب:73)
فهاتان الآيتان تجمعان
جميع دلائل العدالة الإلهية في تكليف الإنسان:
وأول ذلك أن الإنسان
خير في قبول التكليف، فقبله عن طواعية تامة ورضى خالص، بل إنه تعالى ـ من باب
العدالة المطلقة ـ قدم عرض الأمانة على السموات والأرض والجبال فأبين أن يحملنها،
ليكون للإنسان أسوة في حال الامتناع، ولكنه رضي عن طواعية تامة بهذا التكليف.
قال ابن عباس مصورا هذه
الحقيقة الضخمة التي انطلق منها التكليف:( يعني بالأمانة الطاعة عرضها عليهم قبل
أن يعرضها على آدم فلم يطقنها، فقال لآدم:( إني قد عرضت الأمانة على السماوات
والأرض والجبال فلم يطقنها، فهل أنت آخذ بما فيها؟)، قال:( يا رب وما فيها؟) قال:(
إن أحسنت جزيت، وإن أسأت عوقبت)، فأخذها آدم فحملها)[1]
فهذا النص الذي يبعد أن يقوله ابن عباس بمجرد الرأي يذكر أن الإنسان
عرف كل ما يتعلق بالأمانة والجزاء المرتبط بها حتى قبل التكليف عن بينة.