زيادة على هذا جاء في
الآية الثانية الإخبار بالجزاء الذي يرتبط بالقدر الذي تؤدى به الأمانة لا بأي
ارتباط آخر، وهو ما يقتضيه العدل.
أما إخباره تعالى بأن
الإنسان ظلوم جهول، ففيه دلالة قوية على السر الذي جعله مستعدا لتحمل الأمانة،
فظلمه يحمل بذور العدل، وجهله يحمل طاقة التعلم، فكانت طاقاته التي وهبها تؤهله
لهذا التكليف.
***
وعبر عن التكليف
بالخلافة، كما قال تعالى:﴿
وَإِذْ قَالَ رَبُّكَ لِلْمَلائِكَةِ إِنِّي جَاعِلٌ فِي الْأَرْضِ خَلِيفَةً
قَالُوا أَتَجْعَلُ فِيهَا مَنْ يُفْسِدُ فِيهَا وَيَسْفِكُ الدِّمَاءَ وَنَحْنُ
نُسَبِّحُ بِحَمْدِكَ وَنُقَدِّسُ لَكَ قَالَ إِنِّي أَعْلَمُ مَا لا
تَعْلَمُونَ﴾ (البقرة:30)
وليس المراد بالخلافة
التي تتحدث عنها الآية الكريمة الخلافة الممثلة في شخص آدم u، بل هي شاملة للجنس البشري كله، بدليل أن ما تخوف منه الملائكة من
الإفساد في الأرض وسفك الدماء لم يتحقق في آدم u، وإنما تحقق في البشرية على امتدادها التاريخي.
وقد أشارت آيات كريمة
أخرى إلى هذا الاستخلاف العام، ومنها قوله تعالى على لسان هود u لقومه:﴿ وَاذْكُرُوا إِذْ جَعَلَكُمْ خُلَفَاءَ مِنْ بَعْدِ قَوْمِ نُوحٍ
﴾ (لأعراف: 69)، وقوله تعالى:﴿ هُوَ الَّذِي جَعَلَكُمْ خَلائِفَ فِي الْأَرْضِ فَمَنْ كَفَرَ
فَعَلَيْهِ كُفْرُهُ وَلا يَزِيدُ الْكَافِرِينَ كُفْرُهُمْ عِنْدَ رَبِّهِمْ
إِلَّا مَقْتاً وَلا يَزِيدُ الْكَافِرِينَ كُفْرُهُمْ إِلَّا خَسَاراً﴾
(فاطر:39)
وقد ورد في النصوص
التعبير عن الخلافة التي تعني الحكم، كما قال تعالى:﴿يَا دَاوُدُ إِنَّا جَعَلْنَاكَ خَلِيفَةً فِي الْأَرْضِ
فَاحْكُمْ بَيْنَ النَّاسِ بِالْحَقِّ وَلا تَتَّبِعِ الْهَوَى فَيُضِلَّكَ عَنْ
سَبِيلِ اللَّهِ إِنَّ الَّذِينَ يَضِلُّونَ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ لَهُمْ عَذَابٌ
شَدِيدٌ بِمَا نَسُوا يَوْمَ الْحِسَابِ﴾ (صّ:26)، وهي فرع من الخلافة التي
أسندت لكل إنسان، أو هي فرع متقدم عليها.
وهذه النصوص جميعا،
والتي ورد التعبير فيها عن التكليف بالخلافة تشير إلى عدالة