فالتعبير بالخليفة، أو
اصطلاح ( الخلافة) نفسه يقتضي حرية المكلف فيما استخلف فيه وعدم تقيده إلا
بالموازين التي أمره مستخلفه بإقامتها.
فالخلافة مسؤولية،
والمسؤولية لا يقوم بها إلا الكائن الحر، فبدون الاختيار والحرية لا تتحقق
المسؤولية.
ولهذا استنتجت الملائكة
من إخبار الله لها بأنه سيجعل خليفة على الأرض أنه سيجعل الكائن الحر المختار، ومثل
هذا يمكن أن يصلح في الأرض، ويمكن أن يفسد فيها، لأن الاختيار والإردة تسويان بين
الجهتين.
وفي قوله تعال:﴿ ثُمَّ جَعَلْنَاكُمْ خَلائِفَ فِي الْأَرْضِ مِنْ بَعْدِهِمْ
لِنَنْظُرَ كَيْفَ تَعْمَلُونَ﴾ (يونس:14)،
وقوله تعالى على لسان موسى u:﴿ عَسَى رَبُّكُمْ أَنْ
يُهْلِكَ عَدُوَّكُمْ وَيَسْتَخْلِفَكُمْ فِي الْأَرْضِ فَيَنْظُرَ كَيْفَ
تَعْمَلُونَ﴾ (لأعراف: 129) إشارة إلى هذه الحرية التي أوتيها الإنسان
ليستقيم تكليفه، فقد عبر تعالى عن غاية التكليف بأنها مجرد النظر إلى أعمالهم لا
حملهم على أعمالهم أو إجبارهم عليها، كما قال a:( إن الدنيا حلوة خضرة، وإن اللّه مستخلفكم فيها فناظر كيف تعملون،
فاتقوا الدنيا واتقوا النساء، فإن أول فتنة بني إسرائيل كانت من النساء)[1]
والله تعالى مع إخباره
عن علمه بحقيقة هذا الخليفة والذي رد به على الملائكة، لم يحاسب الخلق على علمه
فيهم، بل ترك لأعمالهم المجال لذلك.
ثم إن الله تعالى أشار
في هذه الآيات إلى أن نتيجة الاستخلاف هي التي تحدد مصير الإنسان، فتجعله من
الكافرين أو من المؤمنين قال تعالى:﴿ هُوَ الَّذِي جَعَلَكُمْ خَلائِفَ فِي