كما أن الممتحن في أي
امتحان نزيه يحضر أوراقا بيضاء نقية ليجيب عليها، لأنه لا يمكنه أن يجيب على أوراق
مملوءة قد لا يجد مكانا فيها لوضع إجابته، أو قد تختلط فيها إجابته بما كتب سابقا
في تلك الأوراق.
فكذلك ـ ولله المثل
الأعلى ـ خلق الله البشر في أصل جبلتهم صفحات بيضاء، مستعدة لكل أعباء التكليف
ومهماته، ليملؤوا بعد ذلك هذه الصفحات البيضاء بما يختارونه من إجابات.
وكون البشر على هذه
الصورة من القضايا المسلمة عقلا، فلا خلاف بين شعوب الأرض في براءة الطفولة، وفي
استعدادها لكل أنواع التلقي، ولذلك اتفقت هذه الشعوب على اختيار عمر الطفولة
للتوجيه العلمي والتربوي الذي تبنى عليه جميع حياة الصبي.
وقد دلت النصوص على ما
دل عليه العقل، بل اعتبرت النصوص ذلك من مظاهر عدل الله ورحمته بعباده.
وقد سمى الله تعالى هذه
الجبلة الأصلية الطيبة البسيطة التي جبل عليها الإنسان باسم الفطرة، وهي تدل على
ما جبل عليه الإنسان من استعداد للخير، والذي قد يتحول بالتحريف إلى الشر، قال تعالى:﴿ فَأَقِمْ وَجْهَكَ لِلدِّينِ حَنِيفاً فِطْرَتَ اللَّهِ الَّتِي
فَطَرَ النَّاسَ عَلَيْهَا لا تَبْدِيلَ لِخَلْقِ اللَّهِ ذَلِكَ الدِّينُ
الْقَيِّمُ وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لا يَعْلَمُونَ﴾ (الروم:30)
ففي الآية الكريمة
إشارة إلى أن الفطرة الأصلية مستعدة للخير استعدادا جبليا، وأن التغيير الطارئ
عليها ليس ناشئا من طبيعتها الخلقية، وإنما نشأ من مؤثرات خارجية اقتضاها