انتهى بهم هذا
الاعتقاد إلى الكفر والإلحاد، فاتخذوا الملوك آلهة وأربابا وعبدوهم عبادة حقيقية)
وهذه العلة الثانية هي
التي أشار إليها من فسر من السلف العبادة في الآية السابقة بأنها المعرفة.
ولا تنافر بين الرأيين،
فالحب حصاد المعرفة، والمعرفة بذور الحب، فلا يمكن للإنسان أن يحب من لا يعرف.
أما علاقة العبادة
بعدالة التكليف، فظاهرة، لأن الله تعالى لم يكلف خلقه أن يعبدوه أو يعرفوه أويحبوه
رغم أنوفهم، بل ترك ذلك لعقولهم وقلوبهم لتعبد الله عن طواعية تامة واختيار تام،
ثم تتحمل بعد ذلك نتيجة اختيارها.
* * *
انطلاقا من هذه المعاني
التي يتأسس عليها التكليف، وتتجلى فيها عدالة التكليف في أوج قمتها، نتحدث في هذا
الفصل عن ثلاثة جوانب نراها أساسية قد لا تقوم العدالة في هذا الجانب إلا بها:
أما الأول، فهو أن يكون
المكلف في أصل خلقته نقيا طاهرا بحيث لا تؤثر فيه الجبلة التي ولد عليها في نوع
اختياره، لأنه لو ولد شريرا مفسدا، فإنه قد لا يفطن حال بلوغه سن التمييز إلى
حقيقة الخير الذي أودع فيه.
وأما الثاني، فهو أن
يكون للمكلف من الأدوات والوسائل ما يستطيع به أن يقاوم العقبات التي تعترض طريق
تكليفه، فيلس من العدالة أن يرمى بالجندي الأعزل في ساحات المعارك الهوجاء.
وأما الثالث، فهو أن
يتناسب الاختبار مع الطاقات المعطاة والمؤهلات المختلفة لكل مكلف، فليس من العدل
أن يكلف المكلف فوق ما تحتمله طبيعته التي طبع عليها أو الظرف