ولذلك كان من عدل الله
ورحمته بخلقه أن لا يحاسبهم إلا بعد إرسال الرسل إليهم، كما قال تعالى:﴿ ذَلِكَ أَنْ لَمْ يَكُنْ رَبُّكَ مُهْلِكَ الْقُرَى بِظُلْمٍ
وَأَهْلُهَا غَافِلُونَ﴾ (الأنعام:131) أي إنما أعذرنا إلى الثقلين بإرسال
الرسل وإنزال الكتب لئلا يؤاخذ أحد بظلمه وهو لم تبلغه دعوة، ولكن أعذرنا إلى
الأمم وما عذبنا أحد إلا بعد إرسال الرسل إليهم.
ولهذا تستفهم الملائكة
ـ عليهم السلام ـ المعذبين عن إرسال الرسل إليهم بمجرد إلقائهم في العذاب، كما قال
تعالى:﴿ كُلَّمَا أُلْقِيَ فِيهَا فَوْجٌ سَأَلَهُمْ خَزَنَتُهَا أَلَمْ
يَأْتِكُمْ نَذِيرٌ قَالُوا بَلَى قَدْ جَاءَنَا نَذِيرٌ فَكَذَّبْنَا وَقُلْنَا
مَا نَزَّلَ اللَّهُ مِنْ شَيْءٍ إِنْ أَنْتُمْ إِلَّا فِي ضَلالٍ كَبِيرٍ﴾
(الملك:8 ـ 9)، وقال تعالى:﴿ وَسِيقَ الَّذِينَ كَفَرُوا إِلَى جَهَنَّمَ
زُمَراً حَتَّى إِذَا جَاءُوهَا فُتِحَتْ أَبْوَابُهَا وَقَالَ لَهُمْ خَزَنَتُهَا
أَلَمْ يَأْتِكُمْ رُسُلٌ مِنْكُمْ يَتْلُونَ عَلَيْكُمْ آيَاتِ رَبِّكُمْ
وَيُنْذِرُونَكُمْ لِقَاءَ يَوْمِكُمْ هَذَا قَالُوا بَلَى وَلَكِنْ حَقَّتْ
كَلِمَةُ الْعَذَابِ عَلَى الْكَافِرِينَ﴾ (الزمر:71)، وقال تعالى:﴿
وَهُمْ يَصْطَرِخُونَ فِيهَا رَبَّنَا أَخْرِجْنَا نَعْمَلْ صَالِحاً غَيْرَ
الَّذِي كُنَّا نَعْمَلُ أَوَلَمْ نُعَمِّرْكُمْ مَا يَتَذَكَّرُ فِيهِ مَنْ
تَذَكَّرَ وَجَاءَكُمُ النَّذِيرُ فَذُوقُوا فَمَا لِلظَّالِمِينَ مِنْ
نَصِيرٍ﴾ (فاطر:37)
وقد بين الله تعالى
سنته في ذلك ـ والتي لا تبديل لها ـ فقال تعالى:﴿ وَمَا كُنَّا
مُعَذِّبِينَ حَتَّى نَبْعَثَ رَسُولاً﴾ (الاسراء: 15)
جو التكليف:
أما الشق الثاني، وهو
تفريغه للاختبار بتيسير حياته على الأرض، بحيث لا يستهلك وقته في رعاية جسده وحفظ
وجوده، فيشير إليه قوله تعالى عقب الآية المخبرة عن غاية الخلق:﴿ مَا أُرِيدُ مِنْهُمْ مِنْ رِزْقٍ وَمَا
أُرِيدُ أَنْ يُطْعِمُونِ﴾ (الذريات:57)، ثم تعقيبها بقوله تعالى:﴿ إِنَّ اللَّهَ هُوَ الرَّزَّاقُ ذُو الْقُوَّةِ الْمَتِينُ ﴾
(الذريات:58)
ففي ذلك كله إشارة إلى
تفريغ الإنسان إلى ما طلب منه من مزاولة الخلافة، وأداء ما أمر به من عبادة، قال
النورسي في بيان هذا المعنى:( الإنسان مغرم بالرزق كثيراً، ويتوهم أن السعي