قد يقال بعد هذا: نعم إن العدالة قد بلغت قمتها في تكليف الخلق، وفي
وضعهم جميعا تحت المحك لتختبر جواهرهم، ولكن القلب الذي هو محور التكاليف، وعلى
صفحاته تتم الإجابة، ليس بيد صاحبه، بل هو بيد الله يقلبه كيف يشاء، فكيف تستقيم
العدالة مع هذا؟
ألم يقل الله تعالى
مخاطبا رسوله a:﴿ لَيْسَ عَلَيْكَ هُدَاهُمْ وَلَكِنَّ
اللَّهَ يَهْدِي مَنْ يَشَاءُ﴾ (البقرة: 272) وقال له:﴿ إِنْ تَحْرِصْ عَلَى
هُدَاهُمْ فَإِنَّ اللَّهَ لا يَهْدِي مَنْ يُضِلُّ وَمَا لَهُمْ مِنْ نَاصِرِينَ﴾ (النحل:37)،
وقال له:﴿ إِنَّكَ لا تَهْدِي مَنْ أَحْبَبْتَ وَلَكِنَّ اللَّهَ يَهْدِي
مَنْ يَشَاءُ وَهُوَ أَعْلَمُ بِالْمُهْتَدِينَ﴾ (القصص:56)
وأخبر عن سنته في
ذلك، فقال:﴿ وَكَذَلِكَ أَنْزَلْنَاهُ آيَاتٍ بَيِّنَاتٍ وَأَنَّ اللَّهَ
يَهْدِي مَنْ يُرِيدُ﴾ (الحج:16)،
وقال:﴿ لَقَدْ أَنْزَلْنَا
آيَاتٍ مُبَيِّنَاتٍ وَاللَّهُ يَهْدِي مَنْ يَشَاءُ إِلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ﴾ (النور:46)
وبعد ذلك كله اعتير
أنه يستحيل على شخص أن يهتدي إن لم يفتح الله له أبواب الهداية، فقال
تعالى:﴿ بَلِ اتَّبَعَ الَّذِينَ ظَلَمُوا أَهْوَاءَهُمْ بِغَيْرِ عِلْمٍ
فَمَنْ يَهْدِي مَنْ أَضَلَّ اللَّهُ وَمَا لَهُمْ مِنْ نَاصِرِينَ﴾ (الروم:29)