وهي في المثال
الأول تنطبق على ذلك المجرم الذي حكم عليه بالمؤبد، إشارة إلى أنه قد بلغ درجة من
العتو لا يستقيم بعدها، قال تعالى:﴿ كَلَّا إِنَّ كِتَابَ الْفُجَّارِ لَفِي سِجِّينٍ (7)
وَمَا أَدْرَاكَ مَا سِجِّينٌ (8) كِتَابٌ مَرْقُومٌ (9)﴾ (المطففين)
والآيات الكريمة لا
تقتصر على عادة القرآن الكريم في ذكر العقوبة دون ذكر التهم الموجهة لأصحابها،
فلذلك جاء بعد هذه الآيات ما يبين انسجام العقوبة مع نفسية وسلوك صاحبها، فقال تعالى:﴿ الَّذِينَ يُكَذِّبُونَ بِيَوْمِ الدِّينِ (11) وَمَا
يُكَذِّبُ بِهِ إِلَّا كُلُّ مُعْتَدٍ أَثِيمٍ (12) إِذَا تُتْلَى عَلَيْهِ
آَيَاتُنَا قَالَ أَسَاطِيرُ الْأَوَّلِينَ (13) كَلَّا بَلْ رَانَ عَلَى
قُلُوبِهِمْ مَا كَانُوا يَكْسِبُونَ (14) كَلَّا إِنَّهُمْ عَنْ رَبِّهِمْ
يَوْمَئِذٍ لَمَحْجُوبُونَ (15) ثُمَّ إِنَّهُمْ لَصَالُو الْجَحِيمِ (16) ثُمَّ
يُقَالُ هَذَا الَّذِي كُنْتُمْ بِهِ تُكَذِّبُونَ (17) ﴾ (المطففين)
فالآيات الكريمة تتحدث
عن علة تلك العقوبة العظيمة، وهو أن هؤلاء الذين يتعرضون لصنوف الهداية من
المرسلين أو من ورثتهم ينحجبون بالغفلة التي أفرزتها الأهواء في قلوبهم عن رؤية
الحق أو الاستماع له، فلذلك ينسبون تلك الآيات التي يتلوها المؤمنون إلى أساطير
الأولين.
وهم في ذلك يشبهون ذلك
الممتحن الذي يلطخ صفحته البيضاء الطاهرة بصنوف العبث والعشوائية.
ثم بينت الآيات السبب
لذلك، وهو لا يختلف عن السبب الذي جعل الممتحن يلطخ ورقة إجابته، وهو ما نص عليه
قوله تعالى:﴿ كَلَّا بَلْ رَانَ عَلَى قُلُوبِهِمْ مَا كَانُوا يَكْسِبُونَ
﴾ (المطففين:14)، أي أن كسبه وعمله وحركة قلمه هي التي
ملأت فطرته بقعا منحرفة حالت بينها وبين التعرف على الحق أو سلوكه.
وقد فسر a الآية بقوله:( إن العبد إذا أذنب ذنباً كانت نكتة سوداء في قلبه،
فإن تاب منها صقل قلبه، وإن زاد زادت، فذلك قول اللّه تعالى:﴿ كَلَّا بَلْ رَانَ
عَلَى قُلُوبِهِم مَّا كَانُوا