وإن أردنا تمثيلا
واقعيا آخر على هذا، وهو ما يكاد ينطق به هذا الحديث الشريف هو ما نعرفه في الواقع
من تأثير الإدمان على الجسد، بحيث لا يملك صاحبه دفع آثاره، فالمدمن هو الذي أقبل
على ما أدمن عليه باختياره، ولكنه نتيجة للمبالغة فيه وصل إلى حالة المتحكم فيه بعد
أن كان متحكما في نفسه.
وعلى ذلك يدل قول
الشاعر:
تولع بالعشق حتى عشق فلما استقل به لم يطق
رأى لجة ظنها موجة فلما تمكن منها غرق
ولذلك لم ترد هذه
التعابير في القرآن الكريم ـ كما سنرى ـ إلا مع من اشتد في كفره وبالغ فيه إلى درجة
محقت من قلبه كل استعداد للخير.
ومثلما ذكرنا في تفسير
الران وعلاقة العبد به وردت في القرآن الكريم مصطلحات أخرى تدل على ما يفعل الله
بالقلوب ووسائلها الإدراكية إن هي أمعنت في معصية الله تعالى، وقبل أن نتعرف على
تلك الحجب التي نص عليها القرآن الكريم نشير إلى أن الفهم المثالي لهذه الإخبارات
الإلهية هو اعتبارها إخبارات حقيقية لا رمزية.
والذي جر إلى توهم أنها
إخبارات رمزية، وأنها مجرد استعارات لا حقيقة وجودية لها، هو أن القرآن الكريم
يصورها بصورة مجانسة لما نراه أو نستعمله في التعبير عن المحسوسات.
والذي يقول بهذا يضطر
إلى تأويل كل النصوص التي وردت في اعتبار الأشياء المعنوية
[1] رواه الترمذي والنسائي، وقال الترمذي: حسن
صحيح.