وهو تشبيه تقريبي.. أما
الحقيقة فأعظم من ذلك، فلا يمكن مقارنة علم الله بعلم عباده، فعلم العباد هبة من
الله وفضل منه، فهو علم تبعي لا ذاتي، وظل لا حقيقة.
ولذلك استعمل القرآن
الكريم هذه التشبيهات ليصور سعة علم الله، فقال تعالى:﴿ قُلْ لَوْ كَانَ الْبَحْرُ مِدَاداً
لِكَلِمَاتِ رَبِّي لَنَفِدَ الْبَحْرُ قَبْلَ أَنْ تَنْفَدَ كَلِمَاتُ رَبِّي
وَلَوْ جِئْنَا بِمِثْلِهِ مَدَداً﴾ (الكهف:109)، وقال تعالى:﴿ وَلَوْ أَنَّمَا فِي الْأَرْضِ مِنْ
شَجَرَةٍ أَقْلامٌ وَالْبَحْرُ يَمُدُّهُ مِنْ بَعْدِهِ سَبْعَةُ أَبْحُرٍ مَا
نَفِدَتْ كَلِمَاتُ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ عَزِيزٌ حَكِيمٌ﴾
(لقمان:27)
فهذه الآية تنص على أنه
لو كانت تلك البحار ـ بجميع مياهها ـ مداداً لكلمات اللّه، والشجر كله أقلاما،
لانكسرت الأقلام، وفني ماء البحر، وبقيت كلمات اللّه قائمة لا يفنيها شيء، لأن
أحداً لا يستطيع أن يقدر قدره، ولا أن يثني عليه كما ينبغي، حتى يكون هو الذي يثني
على نفسه.
* * *
أما السؤال الذي يجره
الوهم بعد هذا، والذي منشؤه التشبيه، وحصاده الجهل والجحود، وهو: كيف يكون الله
عالما بكل شيء؟.. أو كيف لا يعزب عن الله شيء؟
والجواب عن هذا لا يحوج
المؤمن إلى أي تكلف، بل يكفيه أن يقرأ سورة الإخلاص ليعلم أن صفات الله تابعة لذات
الله [2]، وذات الله لا تحد ولا تقيد، ولا يقال عنها كيف،
[2] هناك خلاف بين المتكلمين في علاقة الصفات
بالذات، وهو خلاف جدلي لا قيمة له، ولا ينتج عنه الحكم على طرف من الأطراف بالسنية
أو البدعية، كما يبالغ في ذلك الكثير، لأن الذي يقول بأن الصفات عين الذات، لا
ينفي الصفات في الحقيقة، وإنما يبالغ في إثبات اتصاف الله بها، فكيف يحكم على من
يقول بهذا بالبدعية.
ولو رددنا الأمر إلى أصله، فليس في النصوص لفظ (الصفات).. بل ليس هناك إلا
الأسماء، فالله تعالى قال: ﴿ وَلِلَّهِ الْأَسْمَاءُ الْحُسْنَى فَادْعُوهُ
بِهَا ﴾ (لأعراف: 180)، ولم يقل: ( ولله الصفات العليا).. ولو أن الأمة
اكتفت بالأسماء لارتفع الخلاف بينها في هذا المجال.