ويعلم من ضل منا ومن
اهتدى، قال تعالى:﴿ إِنَّ رَبَّكَ هُوَ أَعْلَمُ مَنْ يَضِلُّ عَنْ سَبِيلِهِ وَهُوَ
أَعْلَمُ بِالْمُهْتَدِينَ﴾ (الأنعام:117)
* * *
بعد هذا البيان القرآني
الذي يبث في روع المؤمن سعة علم الله المحيط بكل شيء، والذي يعمر قلبه بلذة لا
نهاية لها، لا يلتفت المؤمن إلى ذلك الجدل العقيم الذي أفرزته مقولة ( إن العلم
الإلهي لا يتعلق بالجزئيات)[1] أو إلى أولئك المحجوبين بعقال العقل الذين نفوا إحاطة علمه تعالى بكل شئ، رافضين شهادة الموجودات الصادقة
على علمه المحيط بكل شئ.
لأن عقل المؤمن عقل
مؤيد بوحي الله، فلذلك لا يقيس الواسع على الضيق، ولا المطلق على المحدود، ولا
العليم على الجهول.
بل هو يدرك ما قاله الخضر u لموسى u عندما جاء عصفور، فوقع على حرف السفينة فنقر في البحر نقرة أو
نقرتين، فقال له الخضر u:( ما علمي وعلمك في علم
اللّه إلا
[1] من الردود التي رد بها المتكلمون على هذه
المقولة:
1. أن الله تعالى فاعل لهذه الأجسام على سبيل الإحكام والإتقان، وكل فاعل
على هذا الوجه فإنه لا بدّ وأن يكون عالماً بما فعله وهذه الدلالة بعينها ذكرها
الله تعالى في قوله:﴿ هُوَ الَّذِي خَلَقَ لَكُمْ مَا فِي الْأَرْضِ
جَمِيعاً ثُمَّ اسْتَوَى إِلَى السَّمَاءِ فَسَوَّاهُنَّ سَبْعَ سَمَاوَاتٍ وَهُوَ
بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ ﴾ (البقرة:29)، فقد ذكر الله تعالى خلق السموات
والأرض، ثم فرع على ذلك كونه عالماً.
2. أن الخالق للشيء على سبيل التقدير والتحديد لا بدّ وأن يكون عالماً به
وبتفاصيله لأن خالقه قد خصه بقدر دون قدر والتخصيص بقدر معين لا بدّ وأن يكون
بإرادة، وإلا فقد حصل الرجحان من غير مرجح والإرادة مشروطة بالعلم، فثبت أن خالق
الشيء لا بدّ وأن يكون عالماً به على سبيل التفصيل.
وقد رد الغزالي على هذه المقولة ردا مفصلا في كتابه (تهافت الفلاسفة)