فكل ما يعرفه البشر
الآن من معارف، والتي قد يتصورون أنهم قد بلغوا بها الذروة لا تعدو أن تكون معرفة
لبعض الخصائص والصفات، وهي أقل من أن تدرك حقائق الأشياء على ما هي عليه.
أما علم الله فهو علم
شامل محيط بالمعلوم من كل نواحيه، ولذلك كان من أسماء الله تعالى الخبير والشهيد واللطيف:
أما الخبير، فهو الذي
لا تعزب عنه الأخبار الباطنة فلا يجري في الملك والملكوت شيء ولا تتحرك ذرة ولا
تسكن ولا تضطرب نفس ولا تطمئن إلا ويكون عنده خبرها[1].
أما الشهيد فهو العالم
بما ظهر، فالشهادة تعني الحضور، كما قال تعالى: ﴿ فَمَنْ شَهِدَ مِنْكُمُ
الشَّهْرَ فَلْيَصُمْهُ ﴾(البقرة: 185)، ولهذا أخبر تعالى أنه شهيد على كل
شيء، فقال على: ﴿ إِنَّ اللَّهَ عَلَى كُلِّ
شَيْءٍ شَهِيدٌ﴾ (الحج: 17)،
وقال: ﴿ يَوْمَ يَبْعَثُهُمُ اللَّهُ جَمِيعاً فَيُنَبِّئُهُمْ بِمَا
عَمِلُوا أَحْصَاهُ اللَّهُ وَنَسُوهُ وَاللَّهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ
شَهِيدٌ﴾ (المجادلة:6)، وقال: ﴿ الَّذِي لَهُ مُلْكُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَاللَّهُ عَلَى
كُلِّ شَيْءٍ شَهِيدٌ﴾ (البروج:9)
ومثل هذا الاسم اسمه
تعلى (الرقيب) فهو يدل على حضور الله التام لكل شيء، قال تعالى:﴿ يَا
أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ وَاحِدَةٍ
وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالاً كَثِيراً وَنِسَاءً
وَاتَّقُوا اللَّهَ الَّذِي تَسَاءَلُونَ بِهِ وَالْأَرْحَامَ إِنَّ اللَّهَ كَانَ
عَلَيْكُمْ رَقِيباً﴾ (النساء:1)، فقد جعل الله تعالى في هذه الآية أمره بالتقوى مستندا إلى رقابة الله التي تعني حضوره الشامل الكامل لكل شيء، وهو
ما يفسره قوله تعالى:﴿ هُوَ الَّذِي خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ فِي
سِتَّةِ أَيَّامٍ ثُمَّ اسْتَوَى عَلَى الْعَرْشِ يَعْلَمُ مَا يَلِجُ فِي
الْأَرْضِ وَمَا يَخْرُجُ مِنْهَا وَمَا يَنْزِلُ مِنَ السَّمَاءِ وَمَا يَعْرُجُ
فِيهَا وَهُوَ مَعَكُمْ أَيْنَ مَا كُنْتُمْ وَاللَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ بَصِيرٌ﴾ (الحديد:4)،
فقد ذكر الله تعالى في هذه
[1] الخبير
بمعنى العليم ولكن العلم إذا أضيف إلى الخفايا الباطنة سمي خبرة ويسمى صاحبها
خبيرا، انظر: المقصد الأسنى: 103.