وانطلاقا من هذه الخبرة
الهزيلة التي منحها الإنسان، والتي من خلالها استطاع أن يستشرف كثيرا من خبايا
المستقبل، نتساءل عن التعجب من خبرة الله، وعن سؤال: كيف؟ عن خبرة الله.
فالله تعالى الذي خلق الإنسان، ويعلم خصائصه الظاهرة
والباطنة،كيف لا يعلم مستقبل الإنسان، قال تعالى:﴿ أَلا يَعْلَمُ مَنْ خَلَقَ وَهُوَ
اللَّطِيفُ الْخَبِيرُ﴾ (الملك:14)
وذلك، كما أن صانع
الآلة ومخترعها هو خبير بإمكانيتها، وبما يحصل لها من عطب، وبما يؤول إليه أمرها،
فيتعامل معها، وكأنها جزء منه، بخلاف من يتعامل معها تعامل المستهلك الذي لا يرى
منها إلا جانبها المنفعي المحدود.
وللفرق بين علم الخبير
وعلم غيره أمر الله تعالى طالب معرفة الله بالرجوع إلى الخبير، وهو العالم بالله
العارف به المصاحب له، قال تعالى:﴿ الَّذِي خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ وَمَا بَيْنَهُمَا فِي
سِتَّةِ أَيَّامٍ ثُمَّ اسْتَوَى عَلَى الْعَرْشِ الرَّحْمَنُ فَاسْأَلْ بِهِ
خَبِيراً﴾ (الفرقان:59)
ولذلك يخبرنا الله تعالى في معرض الحديث عن أحكامه عن خبرته
بأعمال خلقه، لأن العالم بذوات الخلق أعلم بأعمالهم:
ففي معرض ذكر الله
تعالى لجواز تزين النساء بعد انتهاء إحدادهنا، قال تعالى:﴿ وَالَّذِينَ يُتَوَفَّوْنَ مِنْكُمْ
وَيَذَرُونَ أَزْوَاجاً يَتَرَبَّصْنَ بِأَنْفُسِهِنَّ أَرْبَعَةَ أَشْهُرٍ
وَعَشْراً فَإِذَا بَلَغْنَ أَجَلَهُنَّ فَلا جُنَاحَ عَلَيْكُمْ فِيمَا فَعَلْنَ
فِي أَنْفُسِهِنَّ بِالْمَعْرُوفِ وَاللَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ خَبِيرٌ﴾ (البقرة:234)
وهي تحمل عتابا مبطنا
لمن ينكر عليهن، لأن في إنكاره تعديا على الله، فالله هو الخالق الخبير بخلقه، وهو
أعلم بما في نفوسهم وبواطنهم، وله وحده الحق في الإنكار أو عدمه.
وفي معرض ذكره للصدقات
قال تعالى:﴿ إِنْ تُبْدُوا الصَّدَقَاتِ فَنِعِمَّا
هِيَ وَإِنْ تُخْفُوهَا وَتُؤْتُوهَا الْفُقَرَاءَ فَهُوَ خَيْرٌ لَكُمْ
وَيُكَفِّرُ عَنْكُمْ مِنْ سَيِّئَاتِكُمْ وَاللَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ خَبِيرٌ﴾ (البقرة:271)،
فالله تعالى عقب على هذا السلوك الذي هو إظهار الصدقات أو إخفائها بكونه