وهذا الجزاء ـ من
باب العدل [1] ـ لا يكون إلا من باب التخفيف..
أو بتعبير آخر
أليق، وأيسر لفهم العدل في هذه المسألة الخطيرة، نقول: بأن الله تعالى وضع عقوبة
لكل ذنب من الذنوب دق أو جل.. فكان للكفر عقوبته، وكان لقطع الرحم عقوبتها، وكان
للبخل عقوبته.. وهكذا الكذب والفجور وغيرها من الجرائم التي تتفق العقول على أنها
جرائم.
فإذا لم يقع الكافر
في جريمة الكفر، فإنه لن يعاقب إلا بالعقوبة المرتبطة بها، ولا يعاقب بغيرها..
بينما تنزل بالكافر الذي ارتكب جميع الجرائم جميع العقوبات.
وهذا ما يفهم به
قوله a عندما سئل عن عبد الله بن جدعان، وقيل له: إنه كان
يقري الضيف، ويصل الرحم ويعين في النوائب، فهل ينفعه ذلك؟ فقال: لا لأنه لم يقل
يوماً رب اغفر لي خطيئتي يوم الدين.
فهذا الحديث ينص
على أن هذا الكافر لا يدخله عمله الجنة، لأن الشرط الأول من شروط الجنة هو الإيمان،
ولكن هذا لا يعني أن عقوبته ستكون متساوية مع غيره من المجرمين.
ويدل لهذا، أن الله
تعالى ـ بعدله ـ قسم النار دركات يختلف فيها عذاب المجرمين، ومدة عذابهم بحسب
جرائمهم، قال تعالى عن المنافقين:﴿ إِنَّ الْمُنَافِقِينَ فِي الدَّرْكِ
الْأَسْفَلِ مِنَ النَّارِ وَلَنْ تَجِدَ لَهُمْ نَصِيرا﴾ (النساء:145)
بعد هذا.. فإن من
رحمة الله بعباده أن أجاب خيالهم عن أسئلة الكيفية إما من باب الحقيقة المطلقة،
وإما من باب التقريب، فبعض الناس لا يقتنع عقله إلا بعد أن يمتلئ خياله بالصور.
[1] سنرى ما يتعلق بهذا الجزاء من باب الرحمة في
فصل (الرحمة)