الرمانة فأكلها ثم قام
لصلاته فسأل ربه عند وقت الاجل أن يقبضه ساجدا وأن لا يجعل للارض ولا لشئ يفسده
سبيلا حتى يبعثه وهو ساجد، ففعل، فنحن نمر عليه إذا هبطنا وإذا عرجنا، فنجد له في
العلم أنه يبعث يوم القيامة
فيوقف بين يدي الله
تعالى فيقول له الرب تبارك وتعالى: أدخلوا عبدي الجنة برحمتي، فيقول: يا رب! بل
بعملي، فيقول الله: حاسبوا عبدي بنعمتي عليه وبعمله، فتوجد نعمة البصر قد أحاطت
بعبادة خمسمائة سنة وبقيت نعمة الجسد فضلا عليه، فيقول: ادخلوا عبدي النار، فيجر
إلى النار فينادي: رب! برحمتك أدخلني الجنة، فيقول: ردوه، فيوقف بين يديه فيقول:
يا عبدي! من خلقك ولم تكن شيئا؟ فيقول: أنت يا رب! فيقول: من قواك لعبادة خمسمائة
سنة؟ فيقول: أنت يا رب! فيقول: من أنزلك في جبل وسط اللجة وأخرج لك الماء العذب من
الماء المالح وأخرج لك كل ليلة رمانة وإنما تخرج في السنة مرة؟ وسألتني أن أقبضك
ساجدا ففعلت ذلك بك؟ فيقول: أنت يا رب! فقال الله: فذلك برحمتي، وبرحمتي أدخلك
الجنة، قال جبريل: إنما الاشياء برحمة الله يا محمد[1].
وهذه النظرة النافية
للغرور هي التي تقي المؤمن من انحراف بعض الناس الذين جرهم فهمهم الخاطئ لمعنى
العدل الإلهي إلى أن يطلبوا الجزاء من الله، كما يطلبه
الأجير من المستأجر، متكلين على حولهم وقوتهم وعملهم.
وكأنهم يتصورون أن
الجنة عوض حقيقي عن العبادة، أو كأن العبادة عوض حقيقي ينتفع به الله تعالى عما
يقولون علوا كبيرا، فالله تعالى غني
عن العالمين إن أحسنوا أحسنوا لأنفسهم، وإن أساؤا فلها، لهم ماكسبوا وعليهم ما
اكتسبوا، من عمل سالحا فلنفسه ومن أساء فعليها.