ثم إنه a قد صرح بجواز التوسل به مطلقا في حديث الأعمى، فعن عثمان بن
حنيف أن رجلا ضريرا أتى النبي a، فقال:( ادع الله أن
يعافني)، فقال:( إن شئت أخرت ذلك وهو خير، وإن شئت دعوت)، قال:( فادعه) قال: فأمره
أن يتوضأ فيحسن، ثم يصلي ركعتين، ويدعو بهذا الدعاء، فيقول:( اللهم إني أسألك
وأتوجه إليك بنبيك محمد نبي الرحمة، يا محمد إني توجهت بك إلى ربي في حاجتي هذه
فتقضى لي، اللهم شفعه في وشفعني فيه) [1]، فالحديث ورد مطلقا، ومن التأويل تقييده بما لم يدل
الدليل على تقييده.
وقد أول ابن تيمية
هذا الحديث بصنوف من التأويلات وصرفه عن ظاهره، فقال:( وهذا الأعمى شفع له النبي a فلهذا قال في دعائه:( اللهم فشفعه في)، فعلم أنه شفيع فيه)[2]
واستشهد بقوله a:( إن شئت صبرت وإن شئت دعوت لك) فقال: ( ادع لي)، بأنه طلب
من النبي a أن يدعو له، فأمره النبي a أن يصلى ويدعو هو أيضا لنفسه، ويقول في دعائه:( اللهم فشفعه
في)، فدل ذلك على أن معنى قوله:( أسألك وأتوجه إليك بنبيك محمد)، أي بدعائه
وشفاعته.
ومما أول به ابن
تيمية الحديث قوله:( وكذلك لو كان كل أعمى توسل به، ولم يدع له الرسول a بمنزلة ذلك الأعمى لكان عميان الصحابة أو بعضهم يفعلون مثل
ما فعل الأعمى، فعدولهم عن هذا إلى هذا مع أنهم السابقون الأولون المهاجرون
والأنصار والذين اتبعوهم بإحسان، فإنهم أعلم منا بالله ورسوله وبحقوق الله ورسوله،
وما يشرع من الدعاء وينفع وما لم يشرع ولا ينفع، وما يكون أنفع من غيره وهم في وقت
ضرورة
[1] رواه الترمذي وقال: حسن صحيح غريب، ورواه أحمد
وابن ماجة والحاكم وابن السني.