وكما قلنا في ( كيف)
نقول في ( لماذا)، فالله تعالى هو المنفرد بالخلق والاختيار، وليس له في ذلك منازع
ولا معقب، قال تعالى:﴿ وَرَبُّكَ يَخْلُقُ مَا يَشَاءُ وَيَخْتَارُ﴾ (القصص: 68) فما
شاء كان وما لم يشأ لم يكن، فالأمور كلها خيرها وشرها بيده ومرجعها إليه.
ولهذا نفى أن يكون
لغيره اختيارا مع اختياره، بل اعتبر اعتقاد ذلك شركا، فقال تعالى: ﴿مَا كَانَ لَهُمُ الْخِيَرَةُ سُبْحَانَ اللَّهِ وَتَعَالَى
عَمَّا يُشْرِكُونَ﴾ (القصص: 68)
وإن أراد العقل أن
يتصور ذلك ويقتنع به فلينظر إلى جميع اختياراته ما دق منها وما جل، ليرى أنه لا
يختار إلا ما يراه طيبا، ولا يطرح إلا ما يراه خبيثا.
وكذلك الأمر ـ ولله
المثل الأعلى ـ بالنسبة للمختارين من خلق الله، كما قال تعالى:﴿ لِيَمِيزَ اللَّهُ
الْخَبِيثَ مِنَ الطَّيِّبِ وَيَجْعَلَ الْخَبِيثَ بَعْضَهُ عَلَى بَعْضٍ
فَيَرْكُمَهُ جَمِيعاً فَيَجْعَلَهُ فِي جَهَنَّمَ أُولَئِكَ هُمُ الْخَاسِرُونَ ﴾ (لأنفال:37)
وهذا التمييز هو المراد
من التكليف والابتلاء ليقسم الناس يوم القيامة على أساس علاقتهم بالله، كما قال
تعالى:﴿ وَيَوْمَ نَحْشُرُهُمْ
جَمِيعاً ثُمَّ نَقُولُ لِلَّذِينَ أَشْرَكُوا مَكَانَكُمْ أَنْتُمْ
وَشُرَكَاؤُكُمْ فَزَيَّلْنَا بَيْنَهُمْ ﴾ (يونس: 28)، وقال
تعالى:﴿ وَيَوْمَ تَقُومُ السَّاعَةُ يَوْمَئِذٍ يَتَفَرَّقُونَ﴾ (الروم:14)، وقال
تعالى:﴿ يَوْمَئِذٍ يَصَّدَّعُونَ﴾ (الروم: 43)، وقال
تعالى:﴿ وَامْتَازُوا الْيَوْمَ أَيُّهَا الْمُجْرِمُونَ ﴾ (يّـس:59)
* * *
وكما أن الله تعالى
يرجع أسرار اصطفائه للمخلصين من عباده إلى علمه بهم وبما تكن