ونرى انطلاقا من
النظرتين أن يترك ذلك لطلاقة القدرة الإلهية، فلا يحجر عليها في شيء من ذلك.
وإن أردنا مثالا
مقربا لذلك ـ ولله المثل الأعلى ـ نقول بأن الأجهزة الكهربائية منها ما يفتقر
افتقارا تاما إلى الحضور المباشر للصانع، وإلى إيصال التيار الكهربائي به، بحيث لو
قطع عنه التيار، أو ابتعد عنه الصانع لا يقوم بأي عمل.
ومنها ما يمكن شحنه
ببطارية، وتزويد عقله الصغير أو الكبير وبرمجته بدقائق ما يتعلق بوظيفته.
فكذلك الأمر، ولله
المثل الأعلى مع خلق الله تعالى، فكلاهما محتمل، وقد يكون كلا الأمرين صحيحا.
ولعل المثال الأول
مرتبط بما نص عليه القرآن الكريم من الآيات الدالة على خلق الله بيديه ونحو ذلك،
كما قال تعالى:﴿ قَالَ يَا إِبْلِيسُ مَا مَنَعَكَ أَنْ تَسْجُدَ
لِمَا خَلَقْتُ بِيَدَيَّ أَسْتَكْبَرْتَ أَمْ كُنْتَ مِنَ الْعَالِينَ﴾
(صّ:75) أو بإمساكه تعالى، كما قال تعالى:﴿ إِنَّ اللَّهَ يُمْسِكُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ
أَنْ تَزُولا وَلَئِنْ زَالَتَا إِنْ أَمْسَكَهُمَا مِنْ أَحَدٍ مِنْ بَعْدِهِ
إِنَّهُ كَانَ حَلِيماً غَفُوراً﴾ (فاطر:41)
أما ما يدل على
القول بنفي الأسباب وكونها مجرد أمارات من الناحية النقلية، فمن مثل قوله تعالى:﴿ وَمَا
رَمَيْتَ إِذْ رَمَيْتَ وَلَكِنَّ اللَّهَ رَمَى﴾ (لأنفال: 17)، فنفى تعالى
أن يكون رسوله خالقا للرمي، وإن كان سببا فيه.
ومن ذلك قوله تعالى:﴿ وَأَنَّهُ
هُوَ أَضْحَكَ وَأَبْكَى وَأَنَّهُ هُوَ أَمَاتَ وَأَحْيَا﴾ (لنجم:43 ـ
44)، فاقتطع تعالى الإضحاك والإبكاء والإماتة والإحياء عن أسبابها، وأضافها إليه.
ومن ذلك قوله
تعالى:﴿ ذَلِكُمُ اللَّهُ رَبُّكُمْ لا إِلَهَ إِلَّا هُوَ خَالِقُ كُلِّ
شَيْءٍ﴾ (الأنعام: 102)، وقال تعالى:﴿ هَلْ مِنْ خَالِقٍ غَيْرُ
اللَّهِ﴾ (فاطر: 3)