ومثل إنزال ملكية
الله للكائنات الحسية إنزال الله للكائنات المعنوية، ومنها السكينة والجند
الرباني، قال تعالى:﴿ ثُمَّ أَنْزَلَ اللَّهُ سَكِينَتَهُ عَلَى رَسُولِهِ
وَعَلَى الْمُؤْمِنِينَ وَأَنْزَلَ جُنُوداً لَمْ تَرَوْهَا وَعَذَّبَ الَّذِينَ
كَفَرُوا وَذَلِكَ جَزَاءُ الْكَافِرِينَ﴾
(التوبة:26)
ومنها إنزال
الملائكة والروح، قال تعالى:﴿ يُنَزِّلُ الْمَلائِكَةَ بِالرُّوحِ مِنْ أَمْرِهِ
عَلَى مَنْ يَشَاءُ مِنْ عِبَادِهِ أَنْ أَنْذِرُوا أَنَّهُ لا إِلَهَ إِلَّا
أَنَا فَاتَّقُونِ﴾ (النحل:2)
وآثار إدرك هذا
المعنى وارتباطه بتصريفات الله في مقاديره جليلة كثيرة، قد لا تتحقق هذه الآثار
بصيغتها الجميلة الكاملة بدونها:
ومنها أن اعتقادنا
بملكية الله لما في أيدينا، تجعلنا نخضع للشرع حين يأمرنا بالتصرف في هذا الملك
وفق مرضاة الله، لأنه المالك الحقيقي للمال، والعبد لا يعدو أن يكون مستخلفا فيه،
كما قال تعالى:﴿ وَآتُوهُمْ مِنْ مَالِ اللَّهِ الَّذِي
آتَاكُمْ﴾ (النور: 33)، وقال تعالى:﴿ آمِنُوا بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ
وَأَنْفِقُوا مِمَّا جَعَلَكُمْ مُسْتَخْلَفِينَ فِيه﴾ (الحديد: 7)
ولهذا أمر تعالى
رسول a أن ينفي أي ملكية له لخزائن الله، قال تعالى:﴿ قُلْ لا
أَقُولُ لَكُمْ عِنْدِي خَزَائِنُ اللَّهِ وَلا أَعْلَمُ الْغَيْبَ وَلا أَقُولُ
لَكُمْ إِنِّي مَلَكٌ إِنْ أَتَّبِعُ إِلَّا مَا يُوحَى إِلَيَّ قُلْ هَلْ
يَسْتَوِي الْأَعْمَى وَالْبَصِيرُ أَفَلا تَتَفَكَّرُونَ﴾ (الأنعام:50)،
وقال تعالى:﴿ وَلا أَقُولُ لَكُمْ عِنْدِي خَزَائِنُ اللَّهِ وَلا أَعْلَمُ
الْغَيْبَ وَلا أَقُولُ إِنِّي مَلَكٌ وَلا أَقُولُ لِلَّذِينَ تَزْدَرِي
أَعْيُنُكُمْ لَنْ يُؤْتِيَهُمُ اللَّهُ خَيْراً اللَّهُ أَعْلَمُ بِمَا فِي
أَنْفُسِهِمْ إِنِّي إِذاً لَمِنَ الظَّالِمِينَ﴾ (هود:31)
ولهذا أشار
العارفون إلى أن حقيقة الفقر ـ التي هي الوصف الذاتي للمؤمن ـ لا تتنافى مع الغنى
المادي،لأنهم يعتقدون أن ملكيتهم مجاز، وأموالهم معارة.