ولهذا كان لهذا الاعتقاد
أثره الكبير في رفع الهمم إلى الله، فلا تنحني طالبة الأشياء من غيره، وكيف يطلب
من غيره، وهو الفقر المحض، ولهذا كان الصالحون يترفعون على الملوك لمعرفتهم بملك
الملوك، وقد أشار بعض العارفين لما قال له بعض الأمراء:( سلني حاجتك)، فأجابه
العارف:( أوتقول لي هذا ولي عبدان هما سيداك) فقال:( ومن هما؟) قال:( الحرص
والهوى، فقد غلبتهما وغلباك وملكتهما وملكاك) إلى أن الملك الذي يزعم لنفسه ملكية
الخلق لا يملك حتى نفسه.
ولهذا لما سأل
فرعون موسى عن حقيقة الله طالبا التعرف على الماهية قائلا:﴿ وَمَا رَبُّ
الْعَالَمِينَ ﴾ أجابه موسى u ببيان
ملكية الله لجميع الأشياء، فقال:﴿ رَبُّ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَمَا
بَيْنَهُمَا إِنْ كُنْتُمْ مُوقِنِينَ﴾ (الشعراء: 24)
وكأن موسى u يرد بهذه الإجابة على كل الأسس التي يقوم عليها تصور فرعون
لألوهيته، وهو ما عبر عنه ذات يوم بقوله:﴿ يَا قَوْمِ أَلَيْسَ لِي مُلْكُ مِصْرَ وَهَذِهِ
الْأَنْهَارُ تَجْرِي مِنْ تَحْتِي أَفَلا تُبْصِرُونَ﴾ (الزخرف: 51)
ولذلك ـ أيضا ـ نفى
الله تعالى أي ملكية لهؤلاء الجاحدين لما في خزائن الله، كما قال تعالى:﴿ قُلْ لَوْ
أَنْتُمْ تَمْلِكُونَ خَزَائِنَ رَحْمَةِ رَبِّي إِذاً لَأَمْسَكْتُمْ خَشْيَةَ
الْأِنْفَاقِ وَكَانَ الْأِنْسَانُ قَتُوراً﴾ (الاسراء:100)، وقال
تعالى:﴿ أَمْ عِنْدَهُمْ خَزَائِنُ رَبِّكَ أَمْ هُمُ
الْمُصَيْطِرُونَ﴾ (الطور:37)
ومنها التأدب مع خلق الله، فلا ينسب ما لله لنفسه، كما قال a:( لا يقل أحدكم
عبدي وأمتي بل ليقل فتاي وفتاتي) [1]