تعالى بدأ هذه السورة بالغاية التي سينتهي إليها يوسف u، وهو ما رآه في حلمه من المكانة التي أعدها الله.
ثم جاءت جميع أحداث
السورة لتبين كيف كان اللطيف الخبير يسير حياة يوسف u لتتحقق له تلك المكانة التي أعدت له ابتداء.
وقد كان يعقوب u مدركا لعجيب لطف الله، فلهذا لم يستغرب لما جاءه البشير، بل لام من
استغرب ذلك، قال تعالى:﴿ فَلَمَّا أَنْ جَاءَ الْبَشِيرُ أَلْقَاهُ عَلَى وَجْهِهِ فَارْتَدَّ
بَصِيراً قَالَ أَلَمْ أَقُلْ لَكُمْ إِنِّي أَعْلَمُ مِنَ اللَّهِ مَا لا
تَعْلَمُونَ ﴾ (يوسف:96)
وهكذا ما ورد في سورة
القصص، فقد بدأت هذه السورة بقوله تعالى: ﴿ إنَّ فِرْعَوْنَ عَلَا فِي
الْأَرْضِ وَجَعَلَ أَهْلَهَا شِيَعًا يَسْتَضْعِفُ طَائِفَةً مِنْهُمْ يُذَبِّحُ
أَبْنَاءَهُمْ وَيَسْتَحْيِي نِسَاءَهُمْ إِنَّهُ كَانَ مِنَ الْمُفْسِدِينَ (4)
وَنُرِيدُ أَنْ نَمُنَّ عَلَى الَّذِينَ اسْتُضْعِفُوا فِي الْأَرْضِ
وَنَجْعَلَهُمْ أَئِمَّةً وَنَجْعَلَهُمُ الْوَارِثِينَ (5) وَنُمَكِّنَ لَهُمْ
فِي الْأَرْضِ وَنُرِيَ فِرْعَوْنَ وَهَامَانَ وَجُنُودَهُمَا مِنْهُمْ مَا
كَانُوا يَحْذَرُونَ (6)﴾ (القصص)
ثم بينت من أين بدأ لطف
الله يحضر لهذا المن والتمكين الذي ينتظر المستضعفين، فقال: ﴿
وَأَوْحَيْنَا إِلَى أُمِّ مُوسَى أَنْ أَرْضِعِيهِ فَإِذَا خِفْتِ عَلَيْهِ
فَأَلْقِيهِ فِي الْيَمِّ وَلا تَخَافِي وَلا تَحْزَنِي إِنَّا رَادُّوهُ إِلَيْكِ
وَجَاعِلُوهُ مِنَ الْمُرْسَلِينَ ﴾ (القصص:7)
فقد بدأ المن والتمكين
بتحضير أم صالحة ترضع رضيعا … ليقع
هذا الرضيع بعد ذلك في يد أعدائه … ثم
يتربى في حجرهم … ثم يفر منهم … ثم
يعود إليهم بعد أن يئسوا من عودته ليحقق الله به البشارة التي وعد بها من تمكين المستضعفين.
* * *
وهذا الأساس المعرفي
يلقي للمؤمن أول ثمرة من ثمرات التوحيد في القدر، فيستشعر المؤمن أنه بين يدي خبير
رحيم لطيف قد يوقعه ظاهرا في بعض المحن التي تطهر خبثه وتنقي